النهار

"حزب الله" ينتصر على نفسه
مناصرو لحزب الله.
A+   A-

مضت أربعة أيام على اتفاق وقف إطلاق النار قبل أن يلقي أمين عام "حزب الله" نعيم قاسم، خطاب النصر. وكأنّه كان يحتاج إلى أكثر من 96 ساعة ليجري حسابات دقيقة للربح والخسارة وليخرج بنتيجة أنّ "حزب الله" انتصر في الحرب مع إسرائيل: "قرّرت أن أُعلن... بشكل رسميّ وواضح أنّنا أمام انتصار كبير يفوق الانتصار الذي حصل في يوليو (تموز) 2006، في إشارة إلى الحرب الأخيرة بين الجانبين.

ثلاثة وظائف لخطاب "النصر": تعويض نفسي للمحازبين وللبيئة  الحاضنة عن الخسائر البشرية والمادية الفادحة؛ إنكار المسؤولية السياسية والمالية عن هذه الخسائر وعن تلك التي تكبّدتها البلاد ككلّ؛ إعلان الانخراط في مشروع "الطائف" من موقع القوّة وليس الضعف.

فبحسب نعيم قاسم إنّ الخسائر البشرية والمادية لم تكن إلّا "تضحيات" كما أسماها، أي أنّ الشعب ارتضى تقديمها كتكلفة ضرورية لتحقيق "الانتصار"؛ أمّا مسؤولية الحزب عن قرار الحرب وعمّا نتج عنه من قتلى ودمار ونزوح، فأمرُ دحضِها بسيط ولو  بطريقة لاعقلانية مذهلة، إذ كما قال "عندما أطلقنا جبهة المساندة كرّرنا أنّنا لا نريد الحرب، لكنّنا جاهزون لها إذا فرضها العدو الإسرائيليّ"؛ وأخيراً لا صعوبة في تبرير الاستعداد لممارسة السياسة تحت سقف اتفاق الطائف، فلم يسبق للحزب أن قال عكس ذلك رغم أنّ ممارساته على الأرض قضت على الأسس الرئيسية التي قام عليها هذا الاتفاق.

يمكننا تفحّص مسألتَي الهزيمة والانتصار من خلال مقاربات عدّة، أختار منها خمساً، الأكثر استخداماً.

١- المقاربة الأولى هي سؤال الميدان، وهي المقاربة التي اعتمدها الراحل السيد نصرالله وكرّرها بعده برّي وقاسم:
"سياستنا في المعركة الحالية أنّ الميدان هو الذي يتكلّم، ثمّ نأتي نحن لنشرح فعل الميدان". الميدان يقول إنّ الجيش اللبناني ينتشر خطوة خطوة على مساحة المعارك في الجنوب، على أن تنسحب إسرائيل إلى خلف حدودها و"حزب الله" إلى شمال الليطاني. المشهد يفصح بوضوح أنّه بحسب الميدان الجيش اللبناني هو المنتصر.

٢- المقاربة الثانية هي سؤال مضمون الاتفاق. هنا نجد ما سُمّي بالـ ١٧٠١ plus، والـ plus هو بوضوح أيضاً ما يشبه الوصاية الأميركية على لبنان، من خلال هيئة الرقابة على تنفيذ الاتفاق. وللتذكير أميركا هي "الشيطان الأكبر" بالنسبة إلى "حزب الله"، ولطالما أكّد نصرالله أنّ الحزب يحارب بالفعل أميركا وليس إسرائيل، في الحرب الأخيرة.

٣-  المقاربة الثالثة هي مقارنة النتيجة بالهدف. لم يقارن أيٌّ من ممثلي "حزب الله" أهداف الحزب بنتائج الحرب، وهم يعلنون الانتصار. فقد جرى التعمية على الهدفين الأساسيين، اللذين تكرّرا في كلّ بيان من بيانات الحزب، وهما إسناد غزّة والدفاع عن لبنان وشعبه. فلم يتمكّن من إسناد غزة ولا هو قدر على الدفاع عن لبنان وشعبه. إضافة إلى أنّ قبوله بوقف إطلاق النار حتّم عليه التسليم بفكّ الارتباط بين حرب غزّة وحرب لبنان.

عوض عن ذلك، وللدلالة على انتصاره، قارن إعلام الحزب النتائج بما اعتبره أهداف اسرائيل، مركّزاً على القضاء على "حزب الله"، وإنشاء منطقة عازلة، وإقامة المستوطنات، إلخ... وفي هذا هروب من تقييم أدائه بالمقارنة مع أهدافه هو وليس مع أهداف العدوّ.

٤- المقاربة الرابعة وهي مقارنة التكاليف البشرية والمادية عند الطرفين، وهو ما لم يتجرّأ الحزب على القيام به، بسبب الهوّة الشاسعة لصالح إسرائيل. 

٥- أمّا المقاربة الخامسة والأخيرة فهي مقارنة نفوذ الحزب السياسيّ قبل الحرب وبعدها، وهذا ما بدأت تتظهّر ملامحه بإعلان الحزب عن قبوله بالعمل السياسي تحت سقف الطائف وقراره التوقّف من حيث المبدأ عن تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية. وفي الموقفين تراجع على مستوى نزعة التسلّط على المؤسسات الدستورية. 

المقاربات الخمس لا تترك مجالاًّ للشكّ بأنّ "حزب الله" لم ينتصر في هذه الحرب. وإذا كان لا بدّ من انتصار، فهو انتصاره على نفسه: من تقبّله لدور كبير للجيش اللبناني ولأميركا، إلى تسليمه باتفاق الطائف كإطار للعمل السياسيّ واستعداده لانتخاب رئيس للجمهورية، وهي مسائل كان يرفضها بشدّة.

والانتصار على النفس ليس سهلاً عند "حزب الله": ربما فعل ذلك بضغط من إيران التي بدأت تتحسّس رقبتها، أو تفادياً للمزيد من الخسائر البشرية والمادية، في بنيته وفي بيئته الحاضنة، أمام وحشية الآلة العسكرية الإسرائيلية. فالانتصار على الآخر -أكان يزيديّاً كما قال خامنئي، أو داعشياً او إسرائيلياً أو أميركياً أو سعودياً واللائحة قد تطول-، هو سبب وجود "حزب الله": فهو يطلّ علينا بشعار "وإنّ حزب الله هم الغالبون"، والغلبة، أي الانتصار، تكون بواسطة السلاح المرفوع عالياً وأبداً فوق الشعار.
 
انتصار "حزب الله" على نفسه، كما دلّت تجارب العقدين الأخيرين، هو بدون شكّ، شرط لانتصار لبنان وشعبه ودولته. لكنّ انتصار الوطن والشعب والدولة، لن يكون ممكناً بدون تمكين هذه الدولة من الدفاع عن شعبها، وخاصّة في الجنوب، والحرص على انسحاب إسرائيل الكامل وعودة جميع النازحين إلى بلداتهم وقراهم، مع العمل الدؤوب على تقليص تأثير الوصاية الأميركية التي أسّس لها اتّفاق وقف إطلاق النار. فالانتقال من التبعية لإيران إلى التبعية لأميركا ليس عملاً سيادياً ولا انتصاراً على "حزب الله" من قبل معارضته، بل انتصاراً على لبنان.

الأكثر قراءة

كتاب النهار 12/3/2024 2:05:00 AM
إسرائيل تضع "حزب الله" أمام خيارين: القبول بهزيمة مطلقة مما يضطره إلى التنازل عن فاعلية جناحه العسكري أو العودة إلى الحرب وتكبد ليس المزيد من الخسائر في لبنان فحسب، بل ما تبقى له من نفوذ في سوريا أيضاً....
دوليات 12/3/2024 8:35:00 AM
الهندسة القمرية الحرجة التي شهدتها السماء في الفترة من 1 إلى 2 ديسمبر/كانون الأول قد تؤدي لزلزال قوي اليوم الثلاثاء

اقرأ في النهار Premium