باهتة هي الصور على طريق المطار، وكئيبة. ألوان لا تعبّر عن لون لبنان الحقيقي، لا بجوهر قيامته ولا ثقافته، ولا بأي وجه من وجوهه. هو فقط يعبّر عن قلّة قليلة، مؤدلجة، وقعت في فخ الحسابات الخاطئة، فجلبت الدمار لنفسها ولناسها وللبنان ككل، بغض النظر عن إيماننا بما تحمله الأيديولوجيات من بذور تدمير ذاتها، ولو طالت الأيام والسنون.
شعارات كثيرة عُلّقت، على مدخل البلد، عن الشهداء الذي نجلّ، وعن قادتهم، عن القدس والمقاومة، "المقالومة سرّ بقائنا"، "يا قدس نحن قادمون"، "القدس كربلاء دربنا"، و"سنقاتلهم" وغيرها الكثير.
هي خطوة فيها الكثير من الرسائل السياسية، لكن للداخل أكثر منه إلى العدو. فـ"حزب الله" الذي ادعى لسنوات بأنه يملك القدرة على الردع والحماية والكثير الكثير من السلاح الدقيق والموجّه والعابر لـ"المسافات"، هو نفسه وقّع على "اتفاق الذلّ" بـ"قاموسه"، وهو الاتفاق الذي وصفه مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب للشؤون العربية والشرق الأوسط بولس مسعد في حديثه لمجلة Le Point بالتاريخي، لأنه "شامل للغاية" ويغطي البلد بأكمله، وليس فقط المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني. وهذا يعني وفق تأكيد مسعد، أن النص يوجب تطبيق قرارات الأمم المتحدة، سواء القرار 1701 أو 1559. بما يعني أنه يُسمح فقط للمؤسسات الشرعية، جيش، قوى أمن داخلي، جمارك، شرطة بلدية، حيازة الأسلحة ونزع سلاح جميع الميليشيات.
هذا المعطى لا يعوّض ما سقط في الميدان، ولا الصور والشعارات ترفع معنويات عائلات تشردت على مساحة لبنان. وإذا كان العامل البسيكو - سياسي، الذي يقوم على فهم السلوك السياسي من منظور نفسي، له مشروع إذا ما تعرضت له بيئة "الحزب"، فهو أحياناً يخرج بنتيجة معاكسة، تضرّ ولا تخدم.
وما ظهر على طريق المطار، مخطئ من يعتقد حتى أنه خدم البيئة الحاضنة، وفي الضفة المقابلة، لم يعكس إلا نفوراً لدى اللبنانيين، هو ذكّر بسياسة "الحزب" الاستعلائية، بمنطقة تحولت إلى خارجة عن شرعية الدولة، بمنطقة حاضنة لكل عمليات الخطف والتعديات والفلتان، وبالمختصر، بمنطقة مستقلة عن الدولة وعن لبنان، وهذا ما يجب ألا يكون، وأن يستمر. ناهيك عن أنه مصادرة مدخل البلد من قبل فئة محددة، أهو أمر جائز؟ ماذا لو قرر غداً بعض قليل من شباب السنّة أن يرفعوا أعلام هيئة تحرير الشام وصور أبي محمد الجولاني على طريق المطار، فهل يقبل "حزب الله"؟
ليس بالشعارات والصور نحقق الانتصارات، ولا بالشعارات يسقط زمن الهزائم، وللحقيقة أن زمن الهزائم بدأ برحيل نصر الله وليس بمجيئه.
ولا هذه الشعارات تعبّر عن لبنان الجديد الذي نريد، وهو لبنان الذي يحمي كل مكوّن فيه. والسير على طريق الشهداء بأمانة، لا يكون من خلال الاستمرار بسياسة الجهاد في جغرافية سياسية تؤوي تعددية طوائفية وثقافية، تريد العيش بحرية وأمن وكرامة في هذا الشرق.
الكلام ليس من باب فرض إرادة على إرادة أخرى، لا سمح الله، بل من تجربة عميقة، تضرب جذورها في التاريخ اللبناني. فمهما كانت القضية الفلسطينية مهمة، فهل يجب أن تكون أوْلى من القضية اللبنانية والمصلحة اللبنانية؟ والقدس المقدسة على أهميتها، وهي حلم كل مسيحي، هل يُفترض أن يكون مقبرة لشبابنا وعائلاتنا ووطننا؟
"المقاومة سرّ بقائنا"، نعم، لكن المقاومة تكون بالجيش والدولة. وهو الشعار الذي يجب أن يُرفع على طريق المطار، وفي سطور عقيدة كل منّا. والذهاب إلى منطق الدولة هو الطريق الأفعل كي يكون "الشهيد بأمان"، وكي يبقى لبنان. فهذا البلد، بالنسبة لنا، هو أكثر من أرض وشعب، هو وصيّة الله على الأرض، ووصية الله لا تتجزأ.