تحرك الأساتذة المتعاقدين: نحو تحوّل في سياسة الحكومة الاجتماعية؟

تحرك الأساتذة المتعاقدين: نحو تحوّل في سياسة الحكومة الاجتماعية؟
اعتصام لرابطة الأساتذة المتعاقدين في التعليم الرسمي (حسام شبارو).
Smaller Bigger
غسان صليبي

الدافع الى كتابتي هذا النص هو ملاقاة مناسبتين: الأولى تدخل الرئيس نواف سلام المباشر من أجل معالجة نزاع العمل بين وزيرة التربية ورابطة الأساتذة المتعاقدين في التعليم الاساسي الرسمي، والثانية قرب حلول عيد العمال العالمي في الأول من ايار.

سأختصر مواضيعي بثلاثة اود التشديد على أهميتها في سياق مسار "الاصلاح والانقاذ" الذي اطلقته الحكومة بتوجيه من  الرئيسين عون وسلام.

أولاً، موضوع العمل والعمّال:  سبق ان نشرتُ في "النهار" مقالاً بعنوان "ماذا عن العمل وإصلاح علاقات العمل في البيان الوزاري؟". لن أكرّر ما جاء فيه، أكتفي بالتذكير بواحدة من الخلاصات: "يبدو ان الحكومة تتوخّى الإستمرار في معالجة قضايا العمل، أجوراً وظروف عمل وعلاقات عمل مع أصحاب العمل ومع الدولة بالطريقة السابقة: "مساعدات وبدل إنتاجيّة أو مثابرة" من خارج الأجر بدل مقاربة سياسة الأجور بشكل عام؛ إغفال تام للإلتفات الى ظروف العمل؛ إغفال لضرورة إصلاح وتفعيل محاكم العمل ومؤسّسات الحوار الاجتماعي: المجلس الاقتصادي الاجتماعي، لجنة المؤشّر، الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والمؤسّسة الوطنية للإستخدام".

ان الأزمة الماليّة والإقتصاديّة العامة لا تسمح بإيجاد معالجات قطاعيّة فعّالة بمعزل عن خطّة تعافٍ عامة. للأسف هذه الخطّة اشتغلت عليها الحكومة السابقة ولم تلقَ إجماعًا عليها لا من الحكومة ولا من الرأي العام. المشكلة ليست فقط بالتحليلات وبالأفكار، انها في المقاربة التي تستثني اهم المعنيين وأبرزهم الأجراء، عمّالاً وموظفين، من المشاركة في وضع هذه الخطّة حتى تكون أكثر عدلاً وقابليّة للتنفيذ في آن واحد. ويكون إشراك العمّال والموظفين من خلال إصلاح وتفعيل مؤسّسات الحوار الاجتماعي. ولا شك ان ذلك يساعد الحكومة على مفاوضة صندوق النقد الدولي إنطلاقًا من توافق شعبي حول رفض بعض مطالبه التي قد تمس حقوق العمّال والموظفين، والتي قد تجد نفسها محرجًة بالتسليم بها كشرط من شروط الحصول على الدعم المالي الموعود.

ثانيًا، موضوع النقابات: قد يكون رئيس الحكومة مطلعا أو غير مطلع كفاية على واقع النقابات العمّاليّة في لبنان اليوم، التي ترزح بمعظمها تحت هيمنة الأحزاب السياسيّة الممثّلة في الحكومة. رغم ذلك وربما بسبب ذلك، لا بأس من إشراك ممثليها في حوار إجتماعي لإعطاء أهميّة لمصالح طبقيّة لا تظهر عادة في مواقف الأحزاب السياسيّة. فالناس تتمسّك بمصالحها حتى ولو كانت منضوية في أحزاب تتجاهل في العادة هذه المصالح، وذلك عندما تعطى فرصة للتعبير عنها في إطار أوسع من أحزابها. والإمثلة الحية كثيرة في هذا المجال.

ثالثّا، موضوع نزاع العمل بين وزارة التربية ورابطة الاساتذة المتعاقدين. لقد تناولت هذا الموضوع في مقالات سابقة، لا سيما في المقال المنشور في "النهار" بعنوان "إنصاف الأساتذة المتعاقدين شرط لإنقاذ التعليم الرسمي"، وهو يعرض مشكلتَي المال والقانون اللتين تتحجج بهما وزيرة التربية لعدم إنصاف الأساتذة المتعاقدين، بدل ان تلجأ الى مقاربة أشمل للمشكلة التي تطال 80 % من الهيئة التعليميّة في التعليم الرسمي الأساسي (حوالي 14.000 أستاذا) والتي يجب النظر اليها من خلال رؤية إنقاذيّة للتعليم الرسمي وليس من خلال حسابات ماليّة ضيّقة، على أهميتها في ظل ظروف عجز الماليّة العامّة. وليس مقبولاً، من وجهة نظر حكومة لا تففل العدالة الإجتماعيّة في توجّهاتها، عدم التوقّف عند الظروف المعيشيّة المأساويّة للإساتذة المتعاقدين. فهؤلاء يعانون من تمييز فاضح بالنسبة لحقوقهم بالمقارنة مع أساتذة الملاك: عقود مؤقّتة، أجور متدنّية تحتسب بالساعة، لا ضمانات إجتماعيّة وصحيّة، لا احترام للإجازات التي يستفيد منها أساتذة الملاك؛ فضلاً عن فضيحة عدم دفع أجورهم منذ بداية السنة الدراسيّة. 

لكن هؤلاء الأساتذة لم يسكتوا على التمييز وعلى الظلم،  فتنظّموا في رابطة تدافع عنهم، في حين كانت رابطة أساتذة الملاك ترفض انتسابهم، مع اصرارها على التكلّم بإسمهم. وقد أثبتت رابطة المتعاقدين عن فعالية في تحقيق بعض المطالب وعن جدارة وإلتزام وتفانٍ، جعلها قادرة على تنظيم إضرابات ناجحة وثلاث اعتصامات ضخمة حديثاً وفي أقل من شهر أمام وزارة التربية وصولاً الى وزارة الماليّة وأخيرًا الى المجلس النيابي.

وبدل أن تستقبلهم وزيرة التربية بعد اعتصامهم الأخير، هم الآتين من كافة المناطق ومن المناطق الحدودية، تغيّبت عن الوزارة بحجة حضور جلسة المجلس النيابي. وعندما قرروا الذهاب مشياً على الأقدام الى المجلس النيابي غادرت قبل وصولهم. مما اضطر الرئيس سلام الى التدخل ومقابلة قيادات الرابطة والتكفل بإيجاد حلول للمطلب الأساسي الا وهو دفع مساعدات اجتماعية في فصل الصيف تعويضاً عن الخسارة التي لحقت بالأجور نتيجة لقرارات الوزيرة الإخيرة. 

وكانت الوزيرة قد قررت قبل ذلك، إعطاء أساتذة الملاك المساعدة الاجتماعية في الصيف مستثنية الأساتذة المتعاقدين إمعاناً في التمييز ضدهم، مع العلم ان الفئتين لا يدرّسان في الصيف. مع العلم ان الرابطة كانت سباقة لإعداد مشروعَي قانون لمعالجة مشكلة التعاقد الوظيفي بطريقة علمية وعادلة، وقد أطلعت الوزيرة على ذلك.

من الضروري لفت انتباه الحكومة ورئيسها الى ان هذه الرابطة هي نموذج للتنظيم النقابي المستقل النادر في بلادنا، المطلوب حمايته، لا سيما انه يمثّل العمالة الأكثر تهميشاً من بين العمال، والتي لا تلتفت الى معاناتها عادة النقابات العمّاليّة. كما ان هذه الرابطة تمثّل أكثريّة نسائيّة وهي بقيادة امرأة تعرّضت للطرد التعسفي من قبل وزير التربية السابق، بسبب نضالها النقابي.

تدخّل الرئيس سلام لإيجاد حل عادل لنزاع العمل بين الرابطة ووزارة التربية يمكن ان يحمل أبعادًا كثيرة، معيشيّة ونقابيّة وجندريّة واصلاحية، تستحق شرف الدفاع عنها. وهو يعطي دفعة امل للذين لا يزالون يعتقدون بإمكانية التغيير في لبنان لمصلحة الناس ولا سيما الأكثر تهميشاً من بينهم.

ارجو ان يؤسس ذلك، وبمناسبة عيد العمال تحديداً، لمقاربة حكومية جديدة تعطي اهمية أكبر في سياساتها لقضايا العمل والعمال ومن اجل المزيد من العدالة الإجتماعية عن طريق الحوار الاجتماعي بين أطراف الانتاج الثلاثة، مع الحرص على الحرية النقابية وتحصينها قانونياً، في مجالات التأسيس والتنظيم والمفاوضة والضغط بالوسائل الديمقراطية.

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 12/11/2025 6:15:00 AM
قذائف المزّة والعمليتان اللتان لم يفصل بينهما شهر تحمل رسائل تحذيرية إلى الشرع وحكومته، والرسالة الأبرز مفادها أن القصر الرئاسي تحت مرمى الصواريخ.
المشرق-العربي 12/11/2025 2:25:00 AM
إنّها المرة الأولى التي تتهم المنظمة "حماس" وفصائل أخرى بارتكاب جرائم ضد الانسانية.
المشرق-العربي 12/11/2025 2:10:00 PM
شدد على ضرورة منح المحافظة حكماً ذاتياً داخلياً أو نوعاً من الإدارة الذاتية ضمن سوريا كوسيلة لحماية الأقليات وحقوقها.
اقتصاد وأعمال 12/11/2025 10:44:00 AM
تكمن أهمية هذا المشروع في أنه يحاول الموازنة بين 3 عوامل متناقضة: حاجات المودعين لاستعادة ودائعهم بالدولار الحقيقي، قدرة الدولة والمصارف على التمويل، وضبط الفجوة المالية الهائلة التي تستنزف الاقتصاد