إبراهيم حنا - الضاهر
وزير سابق
بدأت التوغلات الإسرائيلية في الأراضي اللبنانية منذ زمن بعيد، ولم تنتظر إنشاء وتعزيز "حزب الله" الذي بدوره لم ينتظر موافقة الجهات اللبنانية للتدخل لمساندة أهل غزة.
تهدف التصريحات الدولية العديدة دوماً إلى ضمان استقلال لبنان وأمنه وسيادته، حتى أصبحت مثل تلك التصريحات أشبه بالعبارات التقليدية في البيانات الرسمية، فتسير متلازمة المواقف السياسية الوطنية في الاتجاه نفسه، حيث تظهر نزعة سيادية مبالغ فيها دون امتلاك الوسائل اللازمة لضمانها.
ومع ذلك، وحتى قبل الخطاب المتكرّر الذي يعلن "لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها"، وقبل التهديدات العسكرية المحتملة، كان يُعتبر أن لإسرائيل الحق في تجاوز قوانين البشر، لا سيما ميثاق الأمم المتحدة وقراراتها. لا حاجة إلى التذكير بالتوغلات الجوية الإسرائيلية التي نادراً ما أدينت، أو بمشروع جونستون لعام 1956 لتوزيع المياه و مشروع إنشاء القناة الوطنية (التي منحت إسرائيل حقوقاً جديدة على المياه)، وكذلك قصف الإسرائيليين للخطوات العربية الأولى لتحويل مياه نهر الأردن العلوي، وبالتالي نهر الليطاني. إسرائيل حسمت هذه النزاعات بالسلاح بموافقة دولية، ولم يُمنح لبنان الفرصة للرد عسكرياً للدفاع عن سيادته (إذ لم تكن لديه أيّ وسائل معقولة للقيام بذلك) أو حتى اللجوء إلى الشرعية الدولية. طريقة غريبة من "أصدقائنا" للدفاع عن سيادتنا.
يحظر أحد المبادئ القانونية الأساسية على الأفراد استيفاء حقهم بأيديهم، وهذا أحد أسباب وجود النظم القانونية التي تترك للمجتمع (الدولة) مهمة تحقيق العدالة لتجنب قانون الغاب وظلم الأقوى. كان يجب أن ينطبق هذا المبدأ على العلاقات بين الدول كما تخيلتها القوى الكبرى، وخاصة بغية حماية الأضعف. المبدأ الموازي لهذا هو حظر العقوبات الجماعية.
حتى في الحقبة الاستعمارية، كانت القوى الاستعمارية تُدان عندما كانت تقوم بعمليات انتقامية على الأراضي المتاخمة التي كانت تُستخدم كملاذ للثوار. أما مع إسرائيل، فيندرج هذا التصرف في إطار حق الدفاع عن النفس، الذي يُستخدم بإفراط وتوسّع. في هذا السياق، يقع ما تقوم به إسرائيل في غزة، حيث يُفترض بموجب القانون الدولي أن تضمن حماية السكان تحت الاحتلال، في نطاق الشعار البراق الآخر المتعلق بـ"النظام الذي يطلق النار على شعبه".
الهدف من هذا الطرح هو تسليط الضوء على أن أي قانون أو اتفاقية دولية لا تمنح إسرائيل الحق في دخول لبنان أو استباحة التحليق فوق أراضيه، أو تنفيذ عمليات عسكرية فيه أو احتلال أراضيه.
الأمثلة السابقة لتدخل المجتمع الدولي إزاء هذه التجاوزات تكشف عن مكتسبات تدريجية لمصلحة إسرائيل تحت ذرائع واهية. ما الذي يمنع العودة إلى حدودنا المعترف بها في اتفاقية الهدنة لعام 1949 دون مراوغة أو تحايل؟
هل ما زلنا في عصر القوة التي تتفوق على القانون والتي كانت تبرر احتلال الأراضي؟
الاحتلال السابق للأراضي اللبنانية خلّف وراءه، بفعل المجتمع الدولي، عدداً من النقاط الخلافية. يجب ألا يُسمح للاجتياح البري الجديد، إذا ما حدث، بخلق حقوق زائفة أو مبررات مثل الحاجة الدائمة للبقاء لحماية أمن الشمال، التي ستثير في البداية القلق الدولي، ولكن سرعان ما ستصبح واقعاً مفروضاً مع تطور الأوضاع.
إذاً، لضمان أمنها، قررت إسرائيل، كما اعتادت، تحت ذريعة المواجهات مع "حزب الله"، أن أفضل وسيلة هي اتباع النموذج المستخدم من قبلها في الأراضي المحتلة، أي إنشاء مستوطنات (غير قانونية في نظر جميع القوى العالمية لكنها تُعتبر أمراً واقعاً لا رجوع عنه...) وهي في ظل هذا المنطق الدفاعي القائم على تعزيز الدفاعات، ستتمدد حتى الوصول إلى البحر.
لمواجهة ذلك، لن تكون الشرعية الدولية كافية، بل نحن بحاجة إلى تعزيز اتحادنا حول المشروع الوطني الذي يوحدنا وتقوية جيشنا حامي تماسكنا بفعالية، حتى يصبح الضامن الحقيقي لسيادتنا.