النهار

هذا ما جناه نصر الله لمحور المقاومة
المصدر: النهار
أصبح "حزب الله" المعيار الذهبي الذي يجب استنساخه داخل المحور، ونموذجًا تقتفي أثره فصائل أخرى في غزة والعراق وسوريا واليمن.
هذا ما جناه نصر الله لمحور المقاومة
المرشد الإيراني مجتمعاً مع علماء غيرانيين وبجانبه صورة للسيد حسن نصر الله، 2 تشرين الأول (أكتوبر) 2024 (أ ف ب)
A+   A-

فيليب سميث*

 

يشكّل مقتل أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصر الله ضربة قاسية إلى الفصائل والمجموعات المسلحة التابعة لإيران في المنطقة، أو ما تسميه إيران "محور المقاومة". ففي خلال أكثر من 45 عامًا بعد الثورة الإسلامية في إيران، وإذا استثنينا آية الله الخميني، لم تحافظ أي شخصية على الحضور نفسه والنفوذ نفسه داخل شبكة الأذرع الإيرانية في المنطقة.  وفي حين كان نصر الله مسؤولاً عن تحقيق أهداف إيران في المنطقة، فإن قدراته الفريدة سمحت لـ"حزب الله" ليس فقط بأن يُكلَّف من قِبَل إيران بدور مركزي في محور المقاومة، بل وأيضاً بأن يستمتع بالفرصة.

وبزعامة نصر الله، أصبح "حزب الله" اللبناني المعيار الذهبي الذي يجب استنساخه داخل هذا المحور، ونموذجًا تقتفي اثره فصائل أخرى في غزة والعراق وسوريا واليمن. كذلك، انتشر "حزب الله" أيضًا في البوسنة في تسعينيات القرن الماضي، وأنشأ ميليشيات في العراق في أثناء الاحتلال الأميركي، وحشد شيعة سوريا لقتال المعارضة، وعزز القوة العسكرية لفصائل مسلحة جديدة في العراق وسوريا.

وعلى الرغم من أن نصرالله مسؤول عن تورّط "حزب الله" في القتال الدموي ضد اللبنانيين، وعن انخراطه في احتلال مساحات واسعة من سوريا وتدميرها، فإنه يبقى أيقونة الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في عام 2000، وما روّج له بأنه "الوعد الصادق" و "النصر الإلهي" في حرب تموز (يوليو) 2006.

كان نصر الله قديساً حياً في نظر محازبيه ومسلّحيه، وفي نظر أفراد الفصائل الأخرى التي تؤلف المحور. وعندما كان هؤلاء يتلقون تدريبهم في لبنان، كانوا ينشرون صورهم أمام الروشة في بيروت، ويعلنون فيها ولاءهم الخالص والأعمى لمن أطلقوا عليه أسماء عدة، مثل "سيد المقاومة" و "سماحة العشق". وما  الصور التي ينشرها فصيل "زينبيون" الباكستاني الشيعي إلا نموذج شديد الدلالة. فمنذ عام 2015، كان أكثر من 60% من الصور التي نشرها هذا الفصيل مكرسة لنصر الله ولـ "حزب الله". 

في أدبيات المحور، علي خامنئي هو المرشد الأعلى، لكن نصر الله هو من يحوز الاحترام والولاء. وأصبح تقبيل خاتمه الذي يُضرب به المثل عنصرًا جوهريًا في قبول انتساب عناصر جديدة إلى "محور المقاومة". وساعدت زيارات أكرم الكعبي من "حركة النجباء العراقية" في أعوام 2017 و2019 و2020، في إبراز شخصية كانت مغمورة نسبيًا في محور المقاومة، إذ كان وسيط إيران في إدارة أذرعها العربية.

أدّى نصر الله دور منسق قوى المحور بحماسة، خصوصاً بعدما قتلت الولايات المتحدة الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي، في مطار بغداد في عام 2020 هيكل قيادة المحور الإيرانية، وكان معه أبو مهدي المهندس، المسؤول المباشر عن ميليشيا "الحشد الشعبي" العراقية. فكان نصر الله هو من ملأ الفراغ الكبير الذي خلفه مقتلهما.

كان نصر الله قادراً على استمالة قادة شيعة آخرين وقفوا غالباً في مواجهة إيران، أو إجبارهم على الإذعان لمطالب طهران، وعلى إدارة القضايا الداخلية في العراق بشكل دقيق، لتصب كلها في صالح إيران. وعندما كانت العلاقات تتوتر بين إيران والزعيم السياسي العراقي مقتدى الصدر، كان هذا الأخير يسافر إلى لبنان، لأنه يعرف أن نصر الله هو الوحيد القادر على التوسط في صفقة مع طهران وإبرامها.

كانت شخصية نصر الله عاملاً أساسياً في إضفاء الشرعية العربية على أيديولوجيا ولاية الفقيه الإيرانية، التي تمنح الولي الفقيه طاعة مطلقة عابرة للحدود الإيرانية. وقد أكد العديد من الفصائل الجديدة في هذا المحور ولاءها لفكرة ولاية الفقيه. ومع ذلك، افتقر بعض هذه الفصائل إلى الحماسة التي أبداها نصر الله و"حزب الله"، خصوصاً بعد تعرض مفهوم ولاية الفقيه لانتقادات متزايدة داخل إيران وخارجها بسبب تفشي الفساد والقمع. وبين الجماعات الشيعية العربية، أثار جوهر الأيديولوجيا الإيرانية وأبعادها الطائفية خلافاً أيضاً. 

مع ذلك، كان نصر الله مؤمناً من الطراز القديم. فقد تبنّى معتقد ولاية الفقيه وروّج له في أثناء دراسته في النجف الأشرف بالعراق، مع الرعيل الأول من قادة الثورة. وتذكيراً، لم ينشأ نصرالله في المؤسسة الدينية العميقة في إيران، ولم يضره أن يكون لبنانياً وأكثر شباباً من رجال الدين الذين كانوا في سبعينياتهم وثمانينياتهم. وهذه صفات يستحيل تقريبًا إعادة إنتاجها، وهو ما يترك شديد الضرر في إيران و"حزب الله".

وكما أكد الشيخ نعيم قاسم، نائب أمين عام "حزب الله"، في خطابه في 30 أيلول (سبتمبر) الماضي، إن ما تبقى من "حزب الله" سيختار قائدًا جديدًا، ويتبع صعود قادة جدد ضمن هيكلية قيادية تسير في مسار راسخ شهدناه بعد مقتل سليماني والمهندس. مع ذلك، سيكون لهذه التغييرات في راس هرم "حزب الله" عواقب وخيمة على "محور المقاومة". 

إن تفويض رجلٍ يمكنه أن يحلّ محلّ نصر الله، وأن يملأ الفراغ الذي تركه بموته، وأن يقدّم للمحور ما قدمه نصر الله، لن يكون أمراً يمكن حدوثه بين ليلة وضحاها، ومحتمل ألا يتحقق هذا الأمر كله في شخص واحد. فقد استغرق نصر الله نحو 4 عقود متتالية ليرسّخ مكانته داخل المحور. وعلى الرغم من أن هاشم صفي الدين، الكثر ترجيحاً لخلافة نصر الله، هب إلى حد الاقتداء بمظهر نصر الله وأسلوب خطابه، فإن العناصر الأخرى التي نسجت علاقة نصر الله بجمهور المقاومة قد ضاعت اليوم.

 

خبير في شؤون الميليشيات الشيعية*

الأكثر قراءة

سياسة 11/23/2024 7:37:00 AM
أعلن برنامج "مكافآت من أجل العدالة" عن مكافأة تصل إلى 7 ملايين دولار أميركي مقابل الإدلاء بمعلومات عن طلال حمية المعروف أيضاً باسم عصمت ميزاراني
سياسة 11/23/2024 9:48:00 AM
إسرائيل هاجمت فجر اليوم في بيروت مبنى كان يتواجد فيه رئيس قسم العمليات في "حزب الله"، محمد حيدر

اقرأ في النهار Premium