الخامنئي في صلاة الجمعة
في أعقاب الضربة الصاروخية الإيرانية ضد إسرائيل مساء الأول من تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، تحركت ماكينة الحرب النفسية والدعائية لإسرائيل، وأعلنت السلطات الإسرائيلية، ولا سيما رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت، أن تل أبيب سترد رداً قاسياً على إيران.
وتزامنت هذه التصريحات مع تكثيف الغارات الجوية والقصف الصاروخي على جنوب لبنان وبيروت وضد مواقع قادة "حزب الله".
وغداة الهجوم الصاروخي الإيراني على المواقع العسكرية في إسرائيل، ذكرت وكالة "رويترز" في نبأ أن القائد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، نقل من مكتبه في طهران إلى مكان آمن. ورداً على هذا النبأ، أُعلن أن صلاة الجمعة في طهران، ستُقام بإمامة خامنئي، وهو ما حصل. وأوحى ذلك بأن المرشد الأعلى بات يمسك بدفة العمليات النفسية ضد اسرائيل، ردّاً على التهديدات والدعاية الاسرائيلية الواسعة الموجهة ضد إيران.
كذلك، وجهت وسائل الإعلام والأجهزة الحكومية التي سمّت يوم الرابع من تشرين الأول "جمعة النصر" وأنشأت هاشتاغها على مواقع التواصل الاجتماعي، دعوة للجماهير للمشاركة في صلاة الجمعة لإظهار أنها لا تخشى التهديدات الاسرائيلية فحسب، بل أن صلاة الجمعة هذه تشكل فرصة سانحة لتوجيه رسالة للايرانيين للتضامن مع قوى المقاومة الاسلامية ضد إسرائيل.
واتسمت صلاة الجمعة بمزيد من الأهمية لجهة أن البعض كان يتوقع أن تهاجم اسرائيل جامع طهران، لكن ليس فقط أن هذا لم يحصل، بل أن صلاة الجمعة تحولت إلى حفل لاستعراض رمزي للقوة، وفي الوقت ذاته، تأبين الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله.
ووصل خامنئي إلى جامع طهران، نصف ساعة قبل موعد أذان الظهر، وجلس إلى جانب رؤساء السلطات الثلاث وكبار القادة العسكريين والمسؤولين المدنيين للبلاد، وقرأ آيات من الذكر الحكيم، واستمع إلى القصائد التي ألقاها الخطباء والتي كانت أشبه بقصائد الغضب والوعيد ضد اسرائيل. ثم اعتلى المنصة، وألقى الخطبة الأولى لصلاة الجمعة فأبدى فيها، عشية الذكرى السنوية لعملية طوفان الأقصى، دعمه لعملية "حماس" التي نفذتها في السابع من تشرين الأول من العام الماضي والتي شكلت نقطة البداية للمواجهات الجديدة في المنطقة، ودافع عن الهجوم الصاروخي الذي شنته ايران على اسرائيل في الأول من الشهر الجاري، وقال: "لن نتلكأ ولن نتقاعس ولن نتسرع في تأدية هذا الواجب، وما هو معقول ومنطقي وصحيح سيُنفذ في أوانه، وسيُنفذ في المستقبل أيضاً إن تطلب الأمر ذلك".
والإجراء الرمزي الآخر لآية الله خامنئي تمثل في أنه صلى صلاة العصر أربع ركعات بعدما أدى صلاة الجمعة ركعتين. لم يفعل المرشد ذلك قط طيلة الـسنوات الـ 30 الأخيرة، بل كان يغادر المسجد دائماً بعد صلاة الجمعة، فيما كان شخص آخر يقيم صلاة العصر، لكنه قام هذه المرة بأداء المستحبات ما بعد الصلاة، وتجاذب أطراف الحديث مع المسؤولين المشاركين فيها، وأراد إيصال هذه الرسالة بأنه غير مستعجل لمغادرة المسجد.
إن مجمل هذا السلوك والمواقف لخامنئي، يهدف إلى البعث بالثقة والاطمئنان في نفوس مناصري الجمهورية الإسلامية من ناحية العمليات النفسية والدعائية، ويظهر أن ايران جاهزة للدخول في مواجهة مع اسرائيل وهي تتمتع بدعم جماهيري.
وفي السياق نفسه، أشار العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي إلى البندقية التي كانت بيد آية الله خامنئي أثناء خطبة الجمعة وقال بعضهم: "سنصلي في القدس إن شاء الله".
ويتم الترويج بأن اسرائيل، ورداً على الضربة الصاروخية الايرانية، ستستهدف بعض المواقع في ايران. وأعلنت طهران بدورها أن أي عمل هجومي اسرائيلي، لن يمر من دون جواب. ويذهب الكثير من المحللين بمن فيهم الرئيس السابق للبرلمان الايراني علي لاريجاني إلى أن هذه التهديدات الدعائية والإجراءات العسكرية المحتملة هي بتوجيه من أميركا، قد تستمر أو تتوقف، ويبدو أن واشنطن لا ترغب في تصعيد بين ايران واسرائيل، لا سيما أن الانتخابات الرئاسية الأميركية ستجرى بعد أقل من 30 يوماً، وأن الديموقراطيين لا يرغبون في أن يصبح الفوز المحتمل لمرشحتهم كامالا هاريس ضحية الصراعات في الشرق الأوسط. ومن ناحية أخرى، فإن نتنياهو يعرف أيضاً أنه يجب أن يستخدم كل ما في جعبته خلال الـ 30 يوماً المقبلة.