النهار

مصير "حزب الله" بعد نصرالله
دمار في الضاحية الجنوبية لبيروت بعد غارة اسرائيلية (أ ف ب)
A+   A-
 

محمد فيصل الدوسري*

اغتيال حسن نصرالله يُعدّ حدثًا مفصليًا تجاه مستقبل الحزب، ويأتي في إطار سلسلة طويلة من الاستهدافات التي طالت قيادات بارزة في ما يسمى بمحور المقاومة، ما يثير تساؤلات حول مصير الحزب في مرحلة ما بعد نصرالله.

مقتل نصرالله ليس مجرد ضربة رمزية، بل ضربة موجعة لبنية الحزب التنظيمية، فرغم التنظيم الأمني المحكم الذي أُحيط به لسنوات، استطاعت اسرائيل تحقيق اختراق أمني كبير أفقد الحزب أبرز رموزه بمن فيهم رأس الهرم الذي كان يجسد شخصية كارزمية، تستطيع تخدير عموم الشعوب بكلمات لا ناقة لها ولا جمل!

سيواجه "حزب الله" الذي يعتمد إلى حد كبير على القيادة المركزية، أزمة قيادية حقيقية، والفراغ الذي سيتركه نصرالله لن يكون سهلًا تعويضه، خصوصاً في قدرته على التأثير  الدرامي والإعلامي لأنصاره في لبنان وخارجه.

تجاوز حزب الله الخطوط الحمر لقواعد الاشتباك مع إسرائيل، فمنذ عام 2006 ظلت العلاقة بين الحزب وإسرائيل قائمة على التوازن الحذر وهجمات الاستنزاف المتبادلة. ويبدو ان تغيرات النظام الدولي وتحولاته وحرب غزة وتداعياتها، أعطت اسرائيل الفرصة لتصفية الميليشيات المحيطة بها بشكل كامل، وأثبتت قدرتها على اختراق "حزب الله"، والقيام بعمليات دقيقة نجحت في تقويض قدرات الحزب بشكل واسع.

ولم تكتف إسرائيل بتصفية قيادات الحزب، بل بدأت عملية توغل بري محدودة في جنوب لبنان، مستهدفة مواقع للحزب  في القرى الحدودية التي تعتبرها تهديدًا مباشرًا لحدودها الشمالية، في خطوة تمثل تصعيدًا خطيرًا ، اذ تأتي بعد سلسلة من الضربات الجوية الإسرائيلية على لبنان.

إيران تعتبر "حزب الله" الذراع الأقوى لها في المنطقة، ومقتل نصرالله وضع طهران في موقف حرج ومعقد، ما جعلها تنسق مسبقاً مع أطراف دولية عدة لتخفيف حدة التوترات وتجنب صراع أوسع، وتسريب ردها على اسرائيل لكي ترفع الحرج، وهو ما حصل بالضبط، فلقد شهدنا هجمات صاروخية باليستية على اسرائيل غير مسبوقة ولكن منضبطة، ولا تتلاءم مع الألم الشديد الذي سببته اسرائيل للميليشيات الإيرانية في الفترة الأخيرة، وكما سربت إيران خبر الهجوم، قامت اسرائيل أيضا بتسريب ردها القادم والمتوقع ان يكون منضبطا في الإطار  نفسه ، بخاصة في ظل الحساسيات الإقليمية والضغوط الدولية لاحتواء الصراع، ما يعني ان كلا الطرفين لن يتجاوزا قواعد الاشتباك بينهما بشكل مباشر، بينما حكومة نتنياهو مستمرة في أهدافها المتمثلة في تصفية "حماس" و"حزب الله" كأولوية، قد تمتد إلى الميليشيات في سوريا والعراق وشمال اليمن.

ستحاول إيران الحفاظ على نفوذها الإقليمي، والبحث عن قيادة جديدة قادرة على إدارة الأمور بعد نصرالله، وربما ستسعى إلى استنساخ نموذج "حزب الله" في مناطق أخرى مثل العراق واليمن، إلا أن هذه الخطوات ستواجه تحديات كبيرة، خصوصًا في ظل الضغوط الدولية المتزايدة على طهران.

مع التحديات تأتي الفرص، فمن زاوية إيجابية تشكل وضعية "حزب الله" السيئة فرصة قيمة للدولة الوطنية في لبنان للخروج من عباءة الميليشيات، وانتخاب رئيس جمهورية جديد بعيداً عن أجندات الحزب، وللجيش اللبناني ان يفرض سيطرته الأمنية على البلاد عبر العودة إلى القرار الأممي 1701، وللقوى السياسية اللبنانية الوطنية لاستعادة زمام المبادرة، ومحاولة تقليص هيمنة الحزب على الساحة اللبنانية، فـ"حزب الله" في وضع لا يُحسد عليه، بعدما كان يُنظر إليه كأحد الأعمدة الأساسية في المشهد السياسي اللبناني.

أمام "حزب الله" سيناريوهات عدة بعد اغتيال نصرالله، أولها محاولة الحفاظ على الوضع القائم من خلال تعيين قيادة جديدة بسرعة، والالتفاف حول زعيم آخر قادر على ملء الفراغ الذي تركه نصرالله، إلا أن هذا الخيار يواجه صعوبة كبيرة، فنصرالله كان يتمتع بشعبية ضمن مؤيدي الحزب والمغررين به، كما أن وضعية الحزب الأمنية مكشوفة تماماً، ما يعني احتمالية تصفية بديل نصرالله بشكل سريع.

السيناريو الثاني والأرجح هو تراجع "حزب الله" تدريجيًا على الصعيدين العسكري والسياسي، في ظل الضغوط الإسرائيلية والدولية المتزايدة وانحسار نفوذه، خصوصًا إذا ما تمكنت إسرائيل من مواصلة عملياتها الجوية والبرية ضد قيادات الحزب وقدراته العسكرية، أما السيناريو الثالث والأضعف فهو التصعيد العسكري الشامل بين الحزب وإسرائيل، وقد ينتهي بتدخل إقليمي ودولي واسع، فإذا ما قرر الحزب الرد على اغتيال زعيمه بضربات مكثفة ضد إسرائيل، فذلك قد يجرّ المنطقة إلى مواجهة شاملة، بخاصة في ظل التوترات القائمة بين إيران وإسرائيل.

من الصعب توقع مستقبل الحزب بشكل فوري، لأنه سيعتمد على طبيعة التطورات في الأسابيع والشهور المقبلة، إلا ان الحزب ومع خسارة قياداته بشكل كامل، عاد إلى وضعية ما قبل تأسيسه، ومن الواضح ان داعمي الحزب في طهران تخلوا عن أداتهم الأولى في المنطقة حفاظا على النظام، ولو شهدنا تصريحات انتقامية من المرشد الأعلى، فهذا هو دوره الطبيعي المتمثل في التحريض المعنوي، أما الدولة العميقة في إيران، فمستعدة لأن تبيع كافة أذرعتها في المنطقة على أن يبقى النظام الإيراني! المبني على الأيدلوجية والنفوذ عبر الوكلاء.

*كاتب وباحث إماراتي

اقرأ في النهار Premium