لا يمكن التكهن بالضربة الاسرائيلية المتوقعة والمعلنة لإيران. لا في زمانها ولا في مكانها ولا في أهدافها وحجمها، ولا من أين تأتي ولا كيف. المنطقة تحبس أنفاسها بانتظار الرد الإسرائيلي على الهجوم الايراني في أول تشرين الأول (أكتوبر) ومن ثم الرد الايراني على الرد الاسرائيلي، كذلك يحبس العالم أنفاسه تخوفاً من اندلاع حرب واسعة تهدد الاقتصاد العالمي باعتبار أن منطقة الصراع هي خزان رئيسي لنفط العالم وغازه.
تعتمد اسرائيل سياسة الصبر الطويل قبل تنفيذ الضربة المرتقبة، تواجه ايران بالسياسة نفسها، تجعلها تنتظر، تماما كما فعلت طهران قبل ردها الصاروخي، وهي بذلك تدفع الإيرانيين نحو الارتباك وتستجلب تدخلات دولية تقف على خاطرها كي لا تذهب في ردها الى حد تفجير المنطقة بأسرها.
الضربة اذن معلنة والطرفان يستعدان لها. اسرائيل تقلّب المواقع التي ستستهدفها والأسلحة التي ستستخدمها وإيران تتحسب بحماية مواقعها ومنشآتها الاكثر أهمية ورمزية وشخصياتها الأكثر تأثيراً وتعرضاً للاستهداف ومن ثم كيفية الرد: هل يكون فورياً، وقد امتلكت الوقت للإعداد له، أم تتابع على منوال التأخر الطويل في الرد واجراء حسابات الربح والخسارة بالقروش؟
وبانتظار ما قد يحصل بين ساعة وأخرى أو بين يوم وآخر، تلعب الولايات المتحدة دوراً ملتبساً في المسألة، وهو دور مارسته طوال السنة الماضية من الحرب على غزة ، ثم على لبنان. اميركا مع اسرائيل بكل قوتها وتعلن في الوقت نفسه انها تريد سلامة لبنان، هي تطلب من اسرائيل عدم احتلال أراض لبنانية ثم تعلن تأييدها اسرائيل في القضاء على "حزب الله"، كما كانت فعلت في غزة. ترسل في الوقت نفسه القنابل الى اسرائيل ومظلات المساعدات لضحايا القنابل التي ارسلتها الى اسرائيل.
لقد بلغت الحرب أوجها، هي حرب كبرى، تريدها اميركا ويريدها الغرب بمثل ما تريدها اسرائيل تماما، ليس نتنياهو الا واجهة لمجموعة كبيرة من المنظرين لاعادة رسم خريطة المنطقة، اذا لم يكن جغرافياً فسياسياً وايديولوجياً. اميركا في عمق دولتها وعقيدتها مع نتنياهو، حتى لو رفع بايدن صوته أحياناً في وجه الأخير، الاتصالات الهاتفية بين الرجلين وزيارة قائد المنطقة الوسطى في الجيوش الأميركية لتل أبيب لا تهدف الى وقف الضربة باعتبارها تهديداً لأمن المنطقة والعالم، بل الى تنسيقها والاتفاق على تفاصيلها ومدى مشاركة القواعد الأميركية فيها وتقديم الدعم لها.
بات من الواضح ان إيران دفعت دفعاً الى الانخراط في الحرب الدائرة في فلسطين ولبنان، ربما أخطأت في الحسابات أو تأخرت في رد فعلها الذي لم يأت الا بعدما دمرت غزة وتلقى "حزب الله" ضربات قاسية، وها هي الآن في مواجهة إسرائيل وأميركا معاً.
لقد مارست ايران دائماً سياسة براغماتية ووثقت بالإدارة الديموقراطية الأميركية وراهنت على امكان ابرام صفقة معها تنقذ برنامجها النووي وتجنبها تداعيات حرب مباشرة تستهدف منشآتها وتكلفها جهد سنوات طويلة من البناء، لكنها الآن تقف أمام حقيقة ان اميركا والغرب ينظران اليها باعتبارها أصبحت عبئاً أمنياً يشكل خطراً على مصالحهما ومصالح أصدقائهما وحلفائهما. اذا لم تكن ايران بصدد ابرام صفقة سرية مع أميركا بشأن الضربة المقبلة والرد عليها، فسيكون عليها خوض حرب قاسية، ليست بالضرورة عسكرية، بل ذات أشكال متنوعة.
ما يحكى عنه من شروط يريد التحالف الأميركي الغربي ومعه اسرائيل فرضها على ايران مخيف ومذل في آن، فماذا لو كان صحيحا انه ستتم مراقبة المفاعلات النووية وصناعة الصواريخ وتخلي إيران عن ميليشياتها في الاقليم كله من لبنان الى اليمن ونزع اسلحتها...
ايران اليوم أمام مواجهة كبرى، وتخطئ قياداتها اذا اعتبرت ان هدف اميركا كان القضاء على التطرف السني من افغانستان الى سوريا، يومها أكل الثور الأبيض فقط.