في الأمس، رفع بطريرك إنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنّا العاشر الصوت ودعا إلى لقاء جامع في دير البلمند، بعنوان: "دعوا شعبنا يعيش".
ضمّ اللقاء جمعاً سياسيّاً – روحيّاً من الطائفة الأرثوذكسيّة، بهدف تأكيد ضرورة إعلاء الشأن الوطنيّ – اللبنانيّ على أيّ مصلحة خارجيّة.
فأيّ تمايز لهذا اللقاء؟ وأيّ خرق يمكن أن يفعله في الجدار المقفل والمأزوم؟
وفق معلومات "النهار" يأتي اللقاء نتيجة تحسّس البطريرك ثقل الأزمة الكبيرة التي تعصف بالبلاد، والشعور الوطنيّ الإنسانيّ الكبير أمام الحوادث الضخمة التي تؤثّر على جميع اللبنانيّين.
هكذا، أراد البطريرك الاستماع إلى أبناء رعيّته ومخاوفهم العميقة في هذه الظروف، فكان أن جمع الوزراء والنوّاب، الحاليّين والسابقين من أبناء الطائفة، ومن مختلف الاتّجاهات النيابيّة والحزبيّة، إلى جانب رجال الدين. التقوا، بتبايناتهم، تحت سقف واحد: حماية لبنان من حروب الآخرين على أرضه.
متميّز بإيجابيّته
يصف النائب السابق فادي كرم اللقاء بأنّه "متميّز بإيجابيته". يقول لـ"النهار": "كلّ لقاء جامع في هذه الأوضاع يضفي نسبة من الإيجابيّة، فكيف إذا كان جامعاً حول ثوابت وطنيّة وإنسانيّة. ففي الشقّ الإنسانيّ، وضعنا البطريرك في صورة ما تقدّمه الكنيسة لمساعدة النازحين والعمل قدر المستطاع على التخفيف من ارتدادات هذه المسألة. فهذا الأمر غير قابل للنقاش، وهو استمع بدوره إلى كلّ الإمكانات التي يمكن أن تقدّم في هذا المجال، للقيام بكلّ ما يلزم مع التشديد على ضرورة رفع نسبة المساعدات أمام هول أعداد النازحين وتشتّتهم".
وطنيّاً، كانت عبارة "دعوا شعبنا يعيش" كافية وحدها لاختصار المتطلّبات الوطنيّة التي تفرضها الظروف الحاليّة، فلم يكن اختيارها مجرّد صدفة بل تعبير بعناية، ومن البطريرك بالذات، لتكون هي عنوان اللقاء.
ومن هذا العنوان، ينطلق كرم ليشرح أنّ "اللقاء أكّد، في بعده الوطنيّ، إعلاء مفهوم الدولة على أيّ مفهوم آخر، وإنّ أوّل مدماك في هذا المفهوم هو منع استيراد الأسلحة أو تمريرها إلى لبنان، منعاً لمزيد من العنف، ومزيد من الحرب. فاذا منعنا السلاح، نقطع الطريق على الحروب. وهذا ما ورد حرفياً في البيان بعبارة: تجفيف تدفّق السلاح الذي يقتل اللبنانيين".
ويتدارك: "أهمّ ما لمسناه في هذا اللقاء هو اجماع الكلّ على أنّ ما نشهده حالياً هو حروب الآخرين على أرضنا. نحن حالياً نعيش بين مشروعَين: المشروع الإسرائيليّ والمشروع الإيرانيّ. ويا للأسف، اللبنانيون عالقون بين المشروعَين. هم فقط من يدفع الثمن، في البشر والحجر. ندفع الضريبة غالياً في الاقتصاد والأمن والسياسة، وفي أعداد الشهداء والجرحى، والأهمّ في القضاء على بنية الدولة ومقوّماتها".
مسلّمات أساسيّة وردت في البيان الختاميّ: انتخاب رئيس للجمهورية فوراً، الوقف الفوري لإطلاق النار، والإثناء على دور الجيش والقوى الأمنية.
يرى كرم أنّ "الخطوط كانت أكثر من واضحة عبر المطالبة بتنفيذ القرارات الأمميّة الدولية كلّها، انتخاب رئيس للبدء بمسار السلم والخروج من المأزق".
خريطة الطريق باتت أكثر من واضحة، واللقاء أكّد أهميّة التعجيل فيها، لأنّنا فقدنا منذ زمن ترف الوقت. يعلّق كرم: "لا يهمّ ماذا يسبق: وقف النار أم انتخاب رئيس. إنّ الخطوتين مهمّتان وملحّتان، ولكن نحن نحتاج إلى من يقود مسار إنقاذ لبنان. وهذا الأمر لن يكون إلّا بواسطة رئيس للجمهورية. فالحكومة منتهية الصلاحية وتعمل لمصلحة "حزب الله"، نريد رأساً لهذه الدولة كي يسير بالبلد نحو الإنقاذ".
هو نداء الأرثوذكس: "دعوا شعبنا يعيش". ذلّلت هذه العبارات بطاقة الدعوة إلى اللقاء، وختمت بها البيان، فهل ستترجم كي يُرحم الشعب اللبنانيّ من ويلات الآخرين وتورّطهم؟!
كوتس:
أهميّة اللقاء الإجماع على أنّ ما نشهده حاليّاً هو حروب الآخرين على أرضنا. نحن نعيش بين مشروعين: المشروع الإسرائيليّ والمشروع الإيرانيّ، واللبنانيّون يدفعون الضريبة غالياً.
"دعوا شعبنا يعيش": لعلّها العبارة الأكثر تردّداً هذه الأيّام، وهي تستحضر دوماً من عميد الصحافة غسان تويني الذي قالها قبل عقود، من داخل مقرّ الامم المتّحدة.