في الملصق الذي نشرته القناة 14 الاسرائيلية عن لائحة الاغتيالات، كانت نافرة صورة المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله العظمى علي السيستاني، إلى جانب صور لزعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، ونائب الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم، ورئيس المكتب السياسي لـ"حماس" يحيى السنوار، وقائد "فيلق القدس" اسماعيل قآني، والمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.
ظهرت الصور على القناة المقربة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الثلاثاء مع عبارة "هدف" على رأس كل من الشخصيات، من دون أن توضح أسباب وضع السيستاني ضمن القائمة. وورد ذلك في إطار تقرير عن الرد الإسرائيلي المحتمل على الهجوم الصاروخي الذي شنته إيران على اسرائيل مطلع الشهر الجاري.
بدا غريباً إدراج السيستاني ضمن القيادات الأخرى في "بنك الأهداف" الإسرائيلي، حتى أن المكتب الإعلامي للسفارة الأميركية في بغداد عبّر عن رفضه أي استهداف للمرجع الشيعي، مؤكدا أن السيستاني "قامة دينية بارزة" تحظى باحترام كبير في المجتمع الدولي، ويمثل "صوتاً حاسماً ومؤثراً في تعزيز منطقة أكثر سلاماً". وفي المقابل، ذهب البعض الى القول إن إدراج السيستاني في اللائحة قد لا يكون أكثر من "خطأ مونتير".
ومع ذلك، لم تكن المرجعيات والشخصيات الدينية المرموقة عبر التاريخ بعيدة من أهداف المتحاربين، على خلفية نفوذها أو نضالاتها لتغيير واقع قائم.
وغالباً ما مثلت المرجعيات المستهدفة حركات رفضت ما اعتبرته أوضاعاً مجحفة أو ممارسات معارضة لمعتقداتها أو رسالتها الانسانية الأمر الذي جعلها أهدافاً لخصوم سياسيين وإيديولوجيين.
ويقول الأستاذ في الفلسفة الأب باسم الراعي إن استهداف المرجعيات الدينية عبر التاريخ يعكس تأثير الدين في الأحداث ونفوذ رموزه. ويوضح أن نفوذ هذه المرجعيات يتجلى في وجهين، إما عندما تعتبر خطراً معنوياً على مشروع سياسي معين، أو عندما تنخرط في مجموعات تحررية.
وتشكل محاولة اغتيال البابا الراحل يوحنا بولس الثاني عام 1981 نموذجاً للفئة الأولى.
ففي 13 أيار (مايو) 1981 كان البابا يوحنا بولس يبارك المجتمعين في ساحة القديس بطرس في الفاتيكان، عندما أقدم مسلح تركي هو محمد علي أقجة، الذي وصف بأنه خبير ومتدرب في الرماية وعضو في جماعة "الذئاب الرمادية" الفاشية، على إطلاق النار عليه، وقد نقل البابا إلى مستشفى الفاتيكان ثم إلى مستشفى جيميلي في روما، وخضع لعملية جراحية دامت خمس ساعات.
في الثاني من آذار (مارس) 2006 انتهت لجنة برلمانية إيطالية شكلها سيلفيو برلسكوني لإعادة التحقيق في الحادث، الى أن الاتحاد السوفياتي كان وراء محاولة الاغتيال، بسبب دعم البابا ومعه منظمات العمل الكاثوليكي الحرية والديموقراطية في بولندا. وكشف التقرير الإيطالي أيضاً أن الأجهزة الأمنية في بلغاريا الشيوعية هي وراء التنفيذ المباشر وليس جهاز الاستخبارات السوفياتية "كي جي بي".
كذلك، واجه ديزموند توتو "الأسقف المتمرد" الأفريقي الجنوبي تهديدات لحياته خلال نضاله ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
وقبلهما، اغتيل المهاتما غاندي، الزعيم الروحي للهند خلال فترة الاستقلال. وهو كان أسس لفكر سياسي جديد بعيد عن العنف والتمييز. وأمضى حياته في النضال ضد الاستعمار البريطاني قبل اغتياله عام 1949.
ويقول الراعي إن هذه المرجعيات الدينية لم تحمل السلاح ولم تكن لديها جيوش، وإنما شكلت تحدياً معنوياً للوضع القائم ويدفع الى التغيير. وفي هذا السياق، يتذكر البطريرك الماروني مارنصرالله بطرس صفير الذي واجه تهديدات لأنه شكل في فترة معينة تحدياً لوضع قائم في لبنان.
وفي الفئة الثانية من المرجعيات الدينية التي تعرضت لتهديدات، رجال دين ينخرطون في نشاطات لها ابعاد أمنية ويصيرون هدفاً تلقائياً لخصومهم.
ومن هؤلاء المقاتل الكولومبي الأب الكاثوليكي كاميلو توريس الذي كرّس حياته للنضال من أجل الحريّة، ومناهضة الظّلم والفساد واللامساواة.
وقتل توريس في 15 شباط (فبراير) 1966، خلال مشاركته الأولى في القتال ضد الجيش الكولومبي ونعاه آلاف الفلاحين الذين رفعوا الزّهور والصلبان تكريما له.
السيستاني
وتتمتع المرجعية الدينية العليا في العراق بتأثير بارز في الساحة السياسية، خصوصاً لناحية المواقف التي تصدر عنها خلال الأزمات، وتحديداً تلك التي واجهها العراق خلال مرحلة الغزو الأميركي، أو بعد ظهور تنظيم "داعش".
ومع بدء الهجوم الإسرائيلي الأخير على لبنان، طالبت ببذل كلّ جهدٍ لحماية الشعب اللبناني من آثاره، وحضت المؤمنين على القيام بما يساهم في تخفيف معاناتهم وتأمين احتياجاتهم الإنسانية.
كذلك، وجّهت المرجعية بإعانة اللبنانيين وتقديم الدعم لهم، من خلال توزيع المساعدات في بيروت ومناطق أخرى.
ويعرف السيستاني بمواقفه الداعمة للقضية الفلسطينية، وهو منذ بداية الحرب ناشد دول العالم الوقوف في وجه "التوحش الفظيع"، وركز على وجوب حماية "الشعب الفلسطيني المظلوم".
ومع ذلك، لم تعلن المرجعية أي دعم لجبهة الإسناد العسكرية التي شارك فيها وكلاء طهران، من لبنان الى اليمن مروراً بالعراق وسوريا.
وثمة اختلاف واضح بين المرشد الأعلى للجمهورية الاسلامية آية الله علي خامنئي الذي يعتبر المرجعية السياسية لـ"محور المقاومة" وبين مرجعية النجف.
ويقول الكاتب العراقي رشيد الخيون إن مرجعية النجف التي يمثلها السيستاني لا تقر بولاية الفقيه المطلقة، وكذلك مرجعية قم، لأنهما تمثلان الشيعة التقليديين.
وأوضح أن ولاية الفقيه التي يقصدها السيستاني تكون للقضايا الدينية بما يخص الميراث ومعاملات الناس، ولا تخص السلطة، بينما ولاية الفقيه المطلقة تقضي بأن يكون الولي الفقيه هو الحاكم. وذكر بأن أستاذ السيستاني وهو المرجع الشيعي الأعلى السابق أبو القاسم الخوئي، لا يقر بتدخل الدين في السياسة في الأساس، ولكن السيستاني يمثل تياراً وسطاً تقريباً، أي يتدخل في السياسة ولكن ليس من باب أنه السلطة وإنما كاستشارة ونصيحة ويؤخذ رأيه من الحكومة كونه المرجع الاعلى في العراق.
وكان ممثل السيستاني في لبنان حامد الخفاف وثق في كتاب مواقف المرجع الشيعي العراقي، من فتاوى وبيانات ورسائل ومقابلات صحافية وتصريحات أطلقها خلال فترة تمتد لأكثر من ثلاث سنوات بالغة الحساسية والخطورة، تبدأ في ما بعد سقوط بغداد عام 2003.
وفي الكتاب، يحدد السيستاني موقعاً للمرجعية في الحياة السياسية يتخطى الصراعات الضيقة ويرفض تدخل رجال الدين المباشر في العمل السياسي، من دون أن يعني ذلك تبنيه العلمنة، لا بل يدعو إلى نظام يحترم الثوابت الدينية للعراقيين، لافتاً إلى أنّ الإسلام هو دين غالبية الشعب العراقي، وإذا كتب الدستور بأيد منتخبة من العراقيين فمن المؤكد أنّه ستمثل فيه قيم الإسلام وتعاليمه السمحاء، أمّا تشكيل حكومة دينية على أساس فكرة ولاية الفقيه فليس وارداً.
واستدراجاً يشكك الخيون في اللائحة الإسرائيلية "لأن السيستاني غير معني بها، وحتى أنه لم يتطرق في تصريحاته الى قتال وإنما الى تقديم المساعدة الى المدنيين والنازحين".