(تعبيرية)
لعب جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية "الموساد" دوراً كبيراً في حروب إسرائيل، منذ ولادة الدولة العبرية في عام 1948. فإلى جانب عمليات التخريب والتجسس والاغتيال خارج إسرائيل التي اشتهر بها هذا الجهاز، فقد أخذ دوره أيضاً في توفير الدعم للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وكانت له إنجازات مهمة على هذا الصعيد. وكانت عملياته تهدف في هذا الإطار إلى توفير تفوق تكنولوجي أو كشف القدرات العسكرية للعدو، ونفي أي تفوق لها، ومعرفة تحركات العدو العسكرية، واختراق منظومات اتصاله، واغتيال قيادات عسكرية. وسجلت لجهاز "الموساد" إنجازات مشهود لها في عالم الاستخبارات، هذه بعضها.
شهدت الحروب العربية - الإسرائيلية في خمسينيات القرن الماضي وستينياته وحتى سبعينياته سباق تسلح، حيث لجأ كل طرف إلى حليفه الدولي لتزويده بأحدث ما لديه من التكنولوجيا العسكرية. وشهدت ساحة الشرق الأوسط تنافساً حاداً بين الاتحاد السوفياتي الذي كان يُسلح دولاً مثل مصر وسوريا والعراق من جهة، والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا اللتين كانتا تزودان إسرائيل بما تحتاجه من أسلحة. وسعت جيوش المنطقة إلى تطوير قواتها الجوية التي تعاظم شأنها في الحروب الحديثة، وعليه عمدت إسرائيل للحفاظ على تفوقها الجوي التوعي مقابل خصومها العرب الذين امتلكوا التفوق العددي بالبشر والسلاح. في منتصف الستينيات، دخلت مقاتلة سوفياتية جديدة الخدمة في الشرق الأوسط، وتميزت بسرعتها وقدرتها الكبيرة على المناورة وذاع صيتها، وهي "ميغ-21". وتمكّنت هذه المقاتلة من إسقاط عدد من الطائرات الإسرائيلية في بعض المواجهات، حتى أن الولايات المتحدة كانت تسعى إلى فك أسرار هذه المقاتلة التي كان طياروها يواجهونها في حرب فيتنام.
تحرك "الموساد" لمساعدة الجيش الإسرائيلي لفك شيفرة "ميغ-21"، فقام عملاؤه بتجنيد طيار في سلاح الجو العراقي هو النقيب منير جميل روفا، الذي عمد في عام 1966 إلى الفرار في مقاتلة "ميغ-21" إلى إسرائيل. ولم يعلم طياري القوات الجوية الإسرائيلية بعملية "الموساد" التي أطلق عليها مسمى "007" حتى آخر لحظة، عندما طلب من اثنين من الطيارين بالتوجه نحو الأجواء الأردنية لمرافقة مقاتلة "ميغ-21" إلى قاعدة جوية إسرائيلية. وهناك، أجرت القوات الجوية الإسرائيلية مناورات دربت خلالها مقاتليها على كيفية اعتراض هذه الطائرة وإسقاطها، بعد كشف نقاط ضعفها وأهمها طريقة تصميم قمرة القيادة التي لا تمكن الطيار من رؤية أي مقاتلة تتسلل من خلفه من زاوية منخفضة.
عملية شهيرة أخرى ذات بعد عسكري قام بها "الموساد"، وهي ضرب برنامج مصر لتصنيع الصواريخ البالستية في منتصف ستينيات القرن الماضي. فلقد كشفت مصر في تلك الفترة عن امتلاكها برنامجاً محلياً لتصنيع صواريخ بالستية تستطيع الوصول إلى كافة أراضي إسرائيل. فجندت "الموساد" عملاءها لتحديد هوية العلماء الألمان الذين كانوا ينفذون البرنامج لصالح الجيش المصري، وعمد "الموساد" إلى شن عمليات عدة أدت إلى اختطاف رئيس البرنامج وهو عالم ألماني، واغتيال أو تخويف العلماء الآخرين، ما أدى الى تعطيل برنامج الصواريخ في نهاية المطاف. وكانت هذه الصواريخ ستمنح مصر القدرة على استهداف العمق الإسرائيلي، وهي كانت مهمة صعبة بعد استلام إسرائيل لمقاتلات "ميراج" الفرنسية.
اغتيال العلماء لمنع دولة معادية من تحقيق تفوق عسكري هو أسلوب مارسه "الموساد" في إيران لاحقاً، حيث عمد في العقد الأخير إلى تصفية عدد من علماء الذرة في طهران ومدن أخرى. كما قام عملاؤه باختراق سلسلة التوريد، وتزويد إيران بمعدات أدت إلى تدمير منظومات الطرد المركزي وتأخير البرنامج النووي لعدة سنوات. وأشهر عملية في إيران هي اغتيال رئيس البرنامج النووي محسن فخري زاده في عام 2021، بواسطة مدفع رشاش موجّه عن بعد.
أحدث إنجازات "الموساد" الاستخباراتية في المجال العسكري كان اختراق "حزب الله" في لبنان، حيث تمكن من جمع كم كبير من المعلومات مكّن الجيش الإسرائيلي من تحديد أماكن قيادات الحزب واستهدافها بنجاح. كما مكّن القوات الجوية الإسرائيلية من استهداف مخازن الأسلحة والذخائر للحزب في لبنان وسوريا، وتدمير معظمها بدقة متناهية. كذلك، تمكّن "الموساد" من اختراق سلسلة توريد "حزب الله" وتحضير شحنة من أجهزة "البيجر" والاتصال المفخخة بمتفجرات، والتي فُجرت في وقت واحد بعد أن كان الحزب قد وزّع عدداً كبيراً منها على عناصره وقياداته. هذه العملية ضربت منظومة الاتصال، ما أضر بمنظومة القيادة والسيطرة للحزب. ونفذت هذه التفجيرات قبل أيام قليلة من بدء إسرائيل عملياتها العسكرية وتحديداً البرية في جنوب لبنان.
وكما كان هناك نجاحات، كان هناك أيضاً إخفاقات لـ "الموساد" أثرت في عمليات إسرائيل العسكرية. أشهر هذه الإخفاقات هو حرب عام 1973، حيث لم تتعاط قيادة "الموساد" بجدية مع تحذيرات بعض عملائها في سوريا ومصر عن قرب شن هجوم واسع عليها. فباغتت القوات المصرية في ٦ تشرين الأول (أكتوبر) 1973 القوات الإسرائيلية وتمكنت من عبور قناة السويس وإلحاق هزيمة بها. ويعتبر هذا من إخفاقات "الموساد" الكبيرة. والإخفاق الآخر كان سوء تقدير قوة "حزب الله" قبل حرب تموز (يوليو) 2006، وعدم ادراكها امتلاكه عدداً كبيراً من الصواريخ الموجهة المضادة للدروع والسفن. فكانت النتيجة وقوع خسائر كبيرة في صفوف القوات المدرعة الإسرائيلية وإصابة إحدى السفن الحربية الإسرائيلية بصاروخ جوال. فلا يوجد جهاز استخباراتي في العالم لم يقع في أخطاء، خصوصاً في تقدير موقف الخصم وجهوزيته العسكرية.
ولا يعتبر "الموساد" مسؤولاً مباشراً عن فشل إسرائيل الاستخباراتي في كشف استعدادات "حماس" لهجمات 7 أكتوبر 2023. فمناطق السلطة الفلسطينية، وضمنها غزة، تعتبر من صلاحيات جهاز "الشاباك" لأمن الدولة الداخلي، حيث لا تزال إسرائيل تعتبر هذه الأراضي شأناً داخلياً. كما يشارك "الشاباك" جهاز الاستخبارات العسكرية "أمان" مسؤولية التعامل مع الفصائل الفلسطينية المسلحة في الأراضي المحتلة – وتحديداً الضفة الغربية وقطاع غزة. أما "الموساد" فهو يطارد هذه الفصائل في الخارج، مثل الأراضي اللبنانية والسورية.