من غير المستغرب أن يرفع الرئيس نجيب ميقاتي الصوت ويحذر من توسيع إسرائيل دائرة عدوانها حيث لا يقصّر جيشها في استهداف أي نقطة عسكرية أو مدنية تصب في تحقيق أجندته الحربية.
تعمل إسرائيل على تطبيق ما يرسمه بنيامين نتنياهو بعدما ثبت أن تل أبيب لم تصغ ولم تقبل بأي دعوة لوقف إطلاق النار. ولم تكتف بمتابعة الحرب ضد "حزب الله" في الجنوب فحسب وخصوصاً في المناطق الحدودية بل تعمل على إبعاد وحدات "اليونيفيل" من مراكزها، ولا سيما من الأماكن الحدودية في إشارة واضحة من إسرائيل بهدف أن لا تبقي على أي شاهد على تجاوزاتها واعتداءاتها. ولا ينقص نتنياهو إلا القول إن القرار 1701 لم يعد موجوداً، وهذا ما يخشاه ميقاتي الذي سارع الى تحذير أكثر من دولة معنية وإجراء اتصالات سريعة مع أكثر من عاصمة وخصوصا باريس لوضعها في حقيقة الأخطار الإسرائيلية التي باتت لا تكترث لأي دور لـ"اليونيفيل" وتكبيل مهماتها في الجنوب مع الإشارة الى أن قيادتها في الناقورة أبلغت قبل أيام الرئيسين ميقاتي ونبيه بري أنها ليست في وارد الانسحاب من أي موقع لها على طول الخط الأزرق. واتخذت القوة الدولية حيال هذه التطورات جملة من الاحتياطات بغية عدم مغادرتها أي مركز ورفض تلبيتها مطلب إسرائيل.
وتنشط الديبلوماسية اللبنانية في استغلال تضييق إسرائيل على "اليونيفيل" وكشف حقيقة الأولى أمام الأمم المتحدة الراعية لهذه الوحدات في الجنوب منذ عام 1978 والتي زادت صلاحية مهماتها بعد ولادة القرار 1701 في 2006.
وفي المعلومات إن تصدي الحزب على طول البلدات الحدودية مع إسرائيل قد يدفع الأخيرة الى تحويل الجنوب الى "أرض محروقة" بمعنى أن تقدم على شلها بالكامل ومنع النازحين من العودة الى ديارهم. وقد تقدم مجموعات من الجيش الإسرائيلي على القيام بعمليات "كومندوس" سريعة وتنفذ إنزالات في نقاط حساسة في محيط نهر الليطاني ومناطق أخرى بهدف ضرب مواقع للحزب أو زرع شبكات ألغام بغية أن تعوق حركة المقاومة في المناطق الخلفية وقطع "شرايينها" مع المواقع الحدودية. وإذا تمكنت إسرائيل من ذلك ووضع قبضتها الجوّية على كل الجنوب ولبنان على وقع نيران متواصلة وتفكيك أوصال الحزب في الجنوب تكون قد حققت الجزء الأكبر من خطة بنك أهدافها.
وإذا نجحت إسرائيل في هذه الخطوة ولو بعد أشهر أخرى من القتال لا تمانع عندها أن توافق على طلب مجلس الأمن وإعلانها في هذه الحالة القبول بهدنة لا يمكن للحزب ولبنان أن يرفضاها.
ووفق هذا السيناريو الذي قد تعمد إسرائيل إلى اتباعه إذا نجحت في ذلك، تفرض شروطها على لبنان الذي يستعجل اليوم وقف إطلاق النار لأن تل أبيب تميل الى القفز فوق مندرجات القرار 1701 ولن تكتفي عندها بطلب عدم وجود عسكري للحزب جنوبي الليطاني فحسب بل قد تطالب وهي في قمة نشوتها العسكرية و"انتصاراتها" بطرد الحزب عسكرياً من كل الجنوب، لأن هدف نتنياهو والمجموعة الوزارية المتطرفة في الحكومة والكنيست في آن واحد هو استغلال الضربات التي يتلقاها الحزب رغم أن ماكينته العسكرية وغرفة عملياته المركزية وتواصلها مع المواقع في الحدود وكل الجنوب ما زالت قادرة على المواجهة وصدّها للتوغل الإسرائيلي في البلدات الحدودية وهذا ما أثبتته وقائع العمليات في محلة اللبونة في الناقورة الى خراج بلدان ميس الجبل ومحيبيب وبليدا وعيتا الشعب وغيرها من البلدات، في وقت لا تزال فيه المقاومة تطلق رشقات لا بأس بها من الصواريخ كل يوم.
من هنا ورغم كل التحديات التي تواجه لبنان لن يتأخر ميقاتي في رفع صوت لبنان وتحذيره من توسع الأعمال الحربية لأن لبنان يخشى هنا من انزلاق الأمور أكثر وتعطيل القنوات الديبلوماسية التي لن يتخلى لبنان عنها وإن ضاقت السبل في وجه المسؤولين في بيروت حيث لا مفر أمامهم من المواجهة رغم حصول نتنياهو على ضوء أخضر حيال حربه من غزة الى لبنان.