النهار

"اليونيفيل" على طريق "الأونروا"
دورية لليونيفل في مرجعيون في جنوب لبنان (أ ف ب)
A+   A-

لن يختلف كثيراً ما يفعله الجيش الإسرائيلي في لبنان عن ذاك الذي فعله ويفعله منذ عام في قطاع غزة، من دون أي اعتبار لـ"اليوم التالي" مع استخدام قتل المدنيين وإجبارهم على إخلاء مدنهم وقراهم كسلاح للضغط على "حزب الله"، كما كان الأمر مع الإخلاءات المتكررة لسكان غزة، أداة للضغط على "حماس".       

 

ومع ذلك، تحظى إسرائيل بالحماية الأميركية. في اليوم الذي كان الجيش الإسرائيلي يحاول اقتحام الحدود اللبنانية ويشن الغارات الجوية في غير منطقة، ويحاصر مخيم جباليا ويضغط على سكان شمال غزة للتوجه جنوباً ومحاصرة المنطقة عسكرياً واقتصادياً إلى حد التجويع، كانت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تُعلن نشر نظام الدفاع الجوي المتطور "ثاد" مع أطقمه الأميركية في إسرائيل للدفاع عنها في مواجهة رد إيراني محتمل على الضربة التي تستعد إسرائيل لتوجيهها إلى إيران.    

 

القرار الأميركي يشجع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على الذهاب خطوة أخرى في التصعيد على "الجبهات السبع" التي يقول إنه يقاتل عليها حفاظاً على وجود إسرائيل. وفي سبيل هذه المعركة الوجودية، يضحى سقوط 42 ألف فلسطيني في قطاع غزة نتيجة الحرب الإسرائيلية، وسقوط أكثر من 2225 مدنياً لبنانياً في الأسبوعين الأخيرين، بمثابة "أضرار جانبية" وفق ما لاحظ كاتب العمود في صحيفة "الغارديان" البريطانية مالك كنعان.   

 

ويأتي الطلب الإسرائيلي من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بسحب قوات "اليونيفيل" من جنوب لبنان بعد سلسلة من الاعتداءات الإسرائيلية عليها، لتصعيد الموقف مع المنظمة الدولية التي يعتبرها نتنياهو أنها باتت "بؤرة معادية للسامية" بسبب مطالبة قادة العالم بوقف الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان.   
وكما خاضت إسرائيل حرباً على وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم "الأونروا" في فلسطين واتهمت موظفيها، من دون أدلة، على المشاركة مع "حماس" في هجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي على غلاف غزة، وتستعد لإصدار تشريع يحظر عمل الوكالة في الأراضي الفلسطينية، حان الدور على "اليونيفيل" المنتشرين في جنوب لبنان بموجب القرار 1701 العائد لعام 2006.  

 

لا تريد إسرائيل من "اليونيفيل" أن تكون شاهداً على الاعتداءات التي تشنها على جنوب لبنان، بينما توجه من خلال ذلك رسالة إلى عدم ثقتها بأي قوة أو جهة عائدة للأمم المتحدة، في وقت تتصاعد عزلة إسرائيل في العالم نتيجة حروبها التي لا تنتهي.      

 

الاعتداءات الإسرائيلية على "اليونيفيل" هي جزء من مسعى إسرائيلي لقلب المشهد رأساً على عقب في الجنوب اللبناني، ومقدمة لخطة أوسع بكثير من الهدف المعلن بتوفير "عودة آمنة" لسكان مستوطنات الشمال. إنه شيء أشبه بما يحدث حالياً في شمال غزة لناحية فرض واقع أمني وسياسي جديد.    

 

وكما يصر نتنياهو على عدم الانسحاب من غزة في المدى المنظور، لن يطول به الأمر ليعلن ذلك بالنسبة إلى لبنان وفرض شروط غير واقعية، مستنداً إلى الغطرسة التي يشعر بها بعد الضربات المؤلمة التي وجهها لـ"حزب الله" منذ 17 أيلول (سبتمبر).

 

وهي الغطرسة ذاتها التي تقود نتنياهو إلى توجيه رسالة إلى الشعب الإيراني يعده فيها بأن "سقوط النظام الإيراني" لم يعد بعيداً، بينما هو يستعد لتوجيه ضربة قوية لإيران.    

 

من غزة، إلى لبنان، إلى إيران، يتنكب نتنياهو دور "المحرر" وليس دور المحتل ولا المعتدي الذي يقتل المدنيين ولا يوفر المستشفيات ولا الهيئات الصحية ولا المدارس ولا الجامعات، باسم "الدفاع عن الحضارة" في وجه "الهمجية".    

 

هذا نوع من الحروب التي شنها الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش عقب هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، ويوم صنف العالم إلى خيّرين وأشرار، وأعلن "من ليس معنا فهو ضدنا".    

 

لا تتبين حتى الآن الحدود التي يمكن أن يقف عندها نتنياهو.   

اقرأ في النهار Premium