النهار

النهار

الرجل الآلي في الحرب
مازن عبود
مازن عبود
المصدر: "النهار"
الرجل الآلي في الحرب
نازحة في بيروت (أ ف ب).
A+   A-

تناول سينغر (2009) في "ثورة الروبوتات والصراع في القرن الـ21" التأثير العميق الذي تحدثه ثورة الروبوتات والذكاء الاصطناعي في الحروب وطبيعة الصراعات. فالقتال صار عن بعد، أكثر اعتماداً على التكنولوجيا وأقلّ اعتماداً على الجنود. هذا يزيد الدقة ويقلل المخاطر. لكن هل تفوّض الآلات اتخاذ قرارات الحياة والموت، ومن يسائلها؟ 

Hristova (2022) في "الحرب الأولية الخوارزمية: كيف أصبحت حرب العراق مختبراً للمنطق الخوارزمي" عرض ظهور ثقافة هذه الحرب في العراق (2003-2010)، حيث أرسل الجنود لقتال عدو في "دولة فاشلة". فشلت التجربة لأنها قلّصت الثقافة والمجتمع الى حدود بيانات بصرية تفتقر إلى السياق الثقافي والتاريخي. رأت السكان والأراضي ككيانات رقمية وخوارزمية أولية. 

 

نتنياهو وقع في هذا الفخ بعدما أساء الحزب فهم تأثيرات الثورة الرقمية. أغوته انتصارات الذكاء الاصطناعي. بدأ اجتياحاً بريّاً يتطلب جنوداً. 

 

فهم لبنان لا يرتكز فقط على البيانات واللوغاريتم بل أيضاً على السياق الثقافي والتاريخي.   

 

الروبوتات القاتلة أبشع ما اخترع، وستغيّر مسار الحروب. لكنها لم تدخل رسمياً الميدان، وإلا لكان نتنياهو حسم الأمر فارضاً شروطه. 

 

مخيفة الثورة التي تضع في أيدي نتنياهو والسنوار والقراصنة والمنظمات وسائل تحدّد الأخطار والأهداف وتتخذ القرارات وتنفذ الهجمات دون موافقة أحد، بدقة وفعّالية وسرعة. فمن يمتلك التكنولوجيا يحسم الحرب بأقل كلفة جنود وأعباء عاطفية. 

 

للأسف، حتى الحرب تفقد مزاياها وكلفتها الإنسانية على المتطور تكنولوجياً. تتبلّد المجتمعات تجاه الفظائع. الاستجابة لما يحصل عندنا بطانيات وأدوية. مشكورون أصدقاء لبنان لكن هذا لا يكفي لأنه لا يوقف الحرب. أبلغني مسؤول سابق أممي بأنّ عدد الشهداء في غزة تجاوز 300.000 من جراء الموت حرباً أو جوعاً ووباءً.
اللعب على الساحة الدولية ما عاد محصوراً بالدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بل بشخصيات كالسنوار وغيره أيضاً. هذا يصعّب مهمة الأمم المتحدة. ما يقلق هو عدم التناسب في الرد وعدم القدرة في التمييز بين العسكري والمدني واستخدام المدنيين كدروع. الأزمة أنّ القانون الدولي ما صنع لقياسات رقمية. 

 

أميركا تريد لبنان لكن من دون حزب وأسلحة. تعمل لإرساء شرق أميركي. تستثمر في سفارة في لبنان كلفتها 17 مليار دولار. تؤيد إسرائيل ويقلقها نتنياهو. وتحاول ضبط اللعبة ضمن هذه القواعد. تحصّن إسرائيل فلا تتعرّض لاعتداءات لكن تحجب عنها مؤناً عسكرية فلا تتفلت اللعبة لبنانياً.