النهار

النهار

إضعاف الحزب كفرصة لاستعادة سيادة الدولة
روزانا بومنصف
روزانا بومنصف
المصدر: النهار
إضعاف الحزب كفرصة لاستعادة سيادة الدولة
كاريكاتور بريشة أرمان حمصي.
A+   A-
لا يحتمل الوضع أن يعيش اللبنانيون بخوف المسيّرات أو الصواريخ لو ساعدوا أو استقبلوا لبنانيين من مناطق اضطروا الى النزوح منها ما يفترض أن يلقي على "حزب الله" مسؤولية عدم تحميل البلد المزيد. كما لا يحتمل البلد هذا الترف السياسي في عدم اتخاذ موقف حاسم لا "يطلب" أو "يدعو" بل يعلن للملأ وقفاً للنار ولو من جهة واحدة حقناً لدماء اللبنانيين، إذ لا تنفع المكابرة ولا تجدي مناورات إقليمية لأن من يأكل العصيّ ليس كمن يعدها وفق ما تتصرف إيران التي في ظل سعيها إقليمياً وجولات وزير خارجيتها على الدول العربية طلباً للتدخل لدى واشنطن لمنع ضربة إسرائيلية لطهران، تغذي استخدام مواجهة الحزب لإسرائيل بغض النظر عن تدمير لبنان.

هناك حرب جارية وتحاول إيران تقليل خسائرها. وإزاء وضع الولايات المتحدة القرار 1559 على الطاولة، تصعّد طهران من أجل صد تقليم نفوذها بقوة الأمر الواقع. فخلال العقدين الأخيرين وتحديداً منذ حرب 2006 وعلى رغم التقويم المختلف لدول مؤثرة حيال "انتصار إلهي" اتخذه "حزب الله" لنفسه، لم تساور أياً من هذه الدول قناعة بأن أي حرب جديدة يمكن أن تطيح بهذا التنظيم المدعوم من إيران، بل إن كل القلق كان ينصبّ على احتمال تدمير لبنان وأذية الحزب أذية كبيرة في أي حرب محتملة بينه وبين إسرائيل، وغالبية هذه الدول كانت تدرك صعوبة إضعاف سيطرة الأخير على مؤسسات الدولة وقرارها. قبل أعوام قليلة زار مسؤول كبير لبنان قبيل تسلمه منصباً مهماً جداً في بلاده وقال إن لبنان يواجه مشكلة مستعصية تتمثل في الحزب الذي يشكل خط دفاع متقدماً لإيران في لبنان مستبعداً انخراط بلده المؤثر في عملية جراحية مكلفة لمساعدة لبنان. 

فالأخير لا يمثل مصلحة حيوية للخارج ولم يعد كذلك منذ زمن بعيد فيما مسؤولوه لم يستطيعوا تباعاً تظهير العناصر التي يمكن أن تثير اهتمام الخارج من باب المصلحة الحيوية لدوله في لبنان. وتالياً فإن إضعاف الحزب أو دفعه لأن يكون حزباً سياسياً فحسب شأنه شأن القوى السياسية التي انضوت ضمن الدولة بعد اتفاق الطائف لم يطرح على نحو جدي.

مع الضربات القاسية التي وجّهتها إسرائيل الى الحزب والتي تتواصل وفق اعتقاد مسؤولين سياسيين بدعم من الولايات المتحدة، فإن إضعاف الحزب قدّم فرصة غير منتظرة حتى بالنسبة الى أعتى خصوم الحزب خارجياً. فواشنطن، في الجلسات الأخيرة لمجلس الأمن التي تناولت الوضع في لبنان، لم تتطرق الى وقف للنار أو العمل من أجله، ومغزى الموقف الأميركي وجوب تركيز المجتمع الدولي على تعزيز المؤسسات اللبنانية ووجوب أن تتجنب إسرائيل التي "يحق لها الدفاع عن نفسها" وفق الموقف الأميركي استهداف المدنيين. فالتقويم الديبلوماسي لمجريات الحرب أن الحزب في العمليات التي بات يوجّه فيها صواريخ الى إسرائيل أكثر دقة، إنما يوجه رسالة عن عدم انتهائه عسكرياً واستمرار قدرته على استهداف المواقع الخلفية للجيش الإسرائيلي تزامناً مع رسالتين أخريين: إحداهما وفق ما سبق أن قال الحزب أخيراً إن قيادته وقدراته سليمة وتسمح بتنفيذ هجمات صاروخية منسّقة ولا سيما في ظل إدراكه أن الخارج يراقبه عن كثب لرصد ما أصبح عليه، والأخرى أن تكبيده خسائر لإسرائيل قد يكون حافزاً للضغط في اتجاه إثارة رد فعل إسرائيلي ضد مواصلة الحرب. ولكن مجريات الحرب في الجنوب تناقض التقويم الديبلوماسي مع هذه القدرات. 

هناك مقاربات مختلفة على المستوى الخارجي بدليل أن فرنسا، الشريكة لا بل المحفزة الأساسية في استصدار القرار 1559، ليست جاهزة بعد للمطالبة بتنفيذه على غرار الولايات المتحدة ولا تبدو في هذا الوارد راهناً، علماً بأن البعض ينتظر منها ذلك كما من الولايات المتحدة على خلفية التركيز على وجوب أن يشكل ما بعد الحرب فرصة حاسمة لاستعادة الدولة اللبنانية سيادتها. فهذه معطيات جديدة تفرض نفسها ولا يجوز تجاهلها أو عدم تثميرها على نحو إيجابي بتقليم نفوذ إيران في لبنان ومنع استخدامه في مواجهاتها الإقليمية أو منع قيام الدولة. يصعب الاعتقاد بأن إيران ستقبل بسهولة الواقع وستواجهه بقوة. ولكنّ ثمة اتجاهاً دولياً يتعلق بإعادة سيادة الشرعية اللبنانية فحسب وسلطة الجيش اللبناني على كل الأراضي اللبنانية ولكنه ليس واضحاً تماماً حتى الآن كيف سيثبت نفسه أو ما هي آليته.

[email protected]