من غير المستبعد بالنسبة الى مصادر سياسية أن تتم مقايضة وقف النار بين اسرائيل و"حزب الله" بانتخاب مجلس النواب اللبناني رئيسا للجمهورية كخطوة اولى يتبعها تأليف حكومة سريعا. اخذت الدوائر الديبلوماسية المهتمة علما بالموقف الاحدث ل"حزب الله" الذي ادلى به نائب الامين العام الشيخ نعيم قاسم والذي رغب البعض في اعتبار انه يطالب بوقف للنار باسلوبه الذي تحدث فيه عن تحول الحرب في لبنان بحيث لم تعد حربا لاسناد غزة ، بما يفهم منه عدم استمرار الربط بغزة . بالاضافة الى قوله ان وقف النار يعيد المستوطنين في شمال اسرائيل الى قراهم فيما ان السقف لدى الحزب كان اكثر ارتفاعا بكثير على هذا المستوى سابقاً.
فهناك ضغوط حقيقية وجهود تبذل في هذا الاطار ومساع لتذليل بعض الشروط التي يبديها رؤساء تيارات او احزاب على مرشحين "توافقيين" يشكل قبول الخارج بهم ركيزة اساسية مهمة لا تقل اهمية عن قبول الداخل بهم ان لم يكن يتجاوزها . يخيل للمرء في ظل "الاستنفار " الاخلاقي للسياسيين ازاء الكارثة التي تواجه لبنان وتفكك مؤسساته وانحلالها ان هناك استعدادات قوية من الجميع لانقاذ البلد وان الوقت ليس وقتا للترف السياسي . ولكن الواقع مختلف اذ ان وراء المواقف المتعاطفة والداعية الى انقاذ البلد ، تتصلب المواقف المتعلقة بانتخاب رئيس للجمهورية ودفاع تيارات او احزاب عن حصصهم ومواقعهم ومحاولة اقتطاع حصص مسبقة . وهذا ليس جديدا في الواقع باعتبار ان القوى السياسية المتحكمة منذ خمس سنوات على الاقل في الحكومة وفي المواقع الاساسية في الدولة ، مارست كل الالاعيب والممارسات لاجهاض انتفاضة 17 تشرين الاول 2019 وقادت البلد الى انهيار مالي غير مسبوق من دون ان تبادر حتى الان الى اتخاذ اي اجراء انقاذي وترفض التخلي عن السلطة التي تتحكم بها ولو على انقاض البلد وحاضر اللبنانيين ومستقبلهم . وتاليا من غير المرجح ان تتخلى عن مكاسبها الاهم اذا كانت الضغوط عليها قوية جدا وخرجت هذه الضغوط الى العلن وكشفت المعرقلين والمعطلين لمحاولات انقاذ لبنان في هذه المرحلة الدقيقة . اذ في مقابل الضغوط هناك اغراءات ايضا في حين ان تلبية مطالب البعض قد تكون صعبة ان لم تكن شبه مستحيلة على غرار ما يسري على السنة بعض السياسيين بالنسبة الى محاولة اقناع رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل الذي يرفع سقفه ابعد من الاغراءات المباشرة المعروفة في اتجاه مطالبة الوسطاء العرب منهم في شكل خاص التوسط لدى الولايات المتحدة من اجل رفع اسمه عن لائحة العقوبات التي ادرجته عليها واشنطن قبل اعوام قليلة . اذ كانت لافتة جملة زيارات ديبلوماسية تلقاها باسيل في الاونة الاخيرة في الوقت الذي لا يفترض انه محور النشاط الديبلوماسي راهنا ربطا بمساعي وقف النار مثلا . واذا كان باسيل في الواجهة ، فان هذا لا ينفي اعتراضات قوى اخرى لكنها اقل اهمية في الوقت الذي يصر ديبلوماسيون على ان عدم لبنان اقتناص الفرصة راهنا لانتخاب رئيس وفاقي يمكنه ان يجمع اللبنانيين ، فان ذلك يعني عمليا وجود قرار بتفكيك البلد وانهائه وسيتحمل اركان السلطة المتواصلة منذ عهد ميشال عون الذي لا يزال فريقه موجودا ايضا ولو انه لا يشارك في اجتماعات حكومة تصريف الأعمال.
من غير المرجح ان يستطيع لبنان تغيير دينامية الحرب واليوم التالي لوقف النار من دون انتخاب رئيس للجمهورية من المهم في هذه المرحلة الا ينشغل بمحاولة تعريف نفسه الى الخارج في شكل خاص استنادا الى ان لبنان سيكون عاجزا كليا عن النهوض من دون دعم الخارج ولا الداخل ايضا حتى لو كان شخصية سياسية او عامة . والوضع يختلف عما بعد انفجار مرفأ بيروت العام 2020 بالنسبة الى الاكتفاء بالمساعدات الاغاثية او الانقاذية . وسيكون السياسيون خبثاء جدا اذا استمروا في القول ان رئيس الجمهورية سيكون محض اختيار داخلي لان القوى السياسية لن تتفق حتى في أسوأ الاحوال التي يمر فيها لبنان من دون ضغط خارجي . والمؤشر الابرز على ذلك الاستعانة بقمة روحية في بكركي من اجل اظهار مشهدية جامعة لبلد مفكك تجمع ابناءه مصائب كارثية في حين ان القرار في ايدي السياسيين الذين لا يزالون يمارسون ترف عدم المسارعة الى احياء المؤسسات الدستورية ، فيما ان هذا العنصر الاخير هو المطلوب وليس قمة روحية لرؤساء الطوائف فحسب .