النهار

ما ينطبق على بوتين ينطبق على نتنياهو... إسألوا زيلنيسكي
جيرار ديب
المصدر: النهار
ما ينطبق على بوتين ينطبق على نتنياهو... إسألوا زيلنيسكي
إسألوا زيلينسكي... (أ ف ب)
A+   A-
رأى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن تصريحات نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي طَرَحَ أخيراً في بروكسل احتمالَ سعي أوكرانيا إلى حيازة السلاح النووي، ينطوي على "استفزاز خطير".

وقال بوتين خلال لقاء مع صحافيين أجانب مساء الجمعة 18 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، "إن كان ذلك صحيحاً، سيلقى كلّ تدبير في هذا الاتجاه رداً مناسباً". وصرّح أنه ليس "على دراية" إن كان في وسع أوكرانيا صنع سلاح نووي، معتبراً أن "الأمر ليس صعباً في العالم الحديث".

نوافق الرئيس بوتين، بأن اليوم في عصرنا الحديث، ليس بالأمر الصعب حيازة أي دولة سلاحاً نووياً. ولكنه بالتأكيد ليس بالأمر السهل، إلى درجة أن تقدم أي دولة على تطوير برنامجها النووية متى تشاء، فكيف إن كان الحديث عن أوكرانيا التي تعيش على وقع حرب حقيقية مع روسيا ستدخل عامها الثالث بعد أشهر قليلة، ونتيجتها تعاني من نقص في إمداداتها العسكرية، وحيث تتعرض منشآتها الحيوية لاستهداف شبه يومي من الجيش الروسي، كذلك تتعرض مراكز إنتاج وتوزيع الطاقة في البلاد لتدمير بصواريخ بالستية، فحتماً الأمر يصبح أكثر تعقيداً إن لم نقل مستحيلاً.
 
لم تنفك كييف منذ 24 شباط (فبراير) 2022، تحاول الطلب من حلفائها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) مدّها بالأسلحة لتستمر في القتال، لا بل تتوسلهم للسماح لها باستخدام أسلحتهم البعيدة المدى لضرب العمق الروسي. فهذا إن دلّ على شيء، فعلى عدم قدرة هذه الدولة على إنتاج قنبلة نووية في هكذا ظروف، لاسيما وأن رئيسها بدأ التفكير جدياً في التسويق لخطة السلام مع روسيا. 

لم يأت بوتين بمعلوماته عن كييف من التحليلات، ولا من مقالات صحافية، بل بنى ذلك على ما قاله الرئيس الأوكراني زيلينسكي في كلمته التي ألقاها الخميس 17 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، في بروكسل. حيث طرح زيلينسكي احتمال أن يسعى بلده إلى إقتناء السلاح النووي في مسعى إلى ردع موسكو، في حال تعذّر عليه الانضمام إلى حلف الناتو. هذا وصرّح زيلينسكي "إما أن تمتلك أوكرانيا أسلحة نووية توفر لها الحماية، وإما أن تنضم إلى حلف الناتو".

دائماً تعتمد الدول على السريّة التامة حول برنامجها النووي، لهذا يضع البعض تصريحات زيلينسكي في خانة الاستفزاز والابتزاز، ليس لروسيا وحسب، بل لشركائها في الاتحاد الأوروبي تحديداً، الذين يرفضون انضمامها إلى حلف الناتو، كي تستفيد كييف من المادة (5) منه التي تنصّ على أن أي اعتداء على سيادة دولة ما في الناتو يتوجب الردّ تلقائياً من قبل سائر الأعضاء.

بعيداً من الكيدية "الزيلينسكية" لكن ليس من المستبعد أن تكون كييف، التي كانت تعتبر ثالث أكبر ترسانة نووية في العالم، قد احتفظت ببعض منها عند تسليمها منظوماتها النووية إلى روسيا. فهذه فرضية قائمة، وغير مستبعدة رغم أن اتفاقية بودابست التي وقعت في 5 أيلول (سبتمبر) 1994 عملت بالمبدأ على سحب الأسلحة من كييف، بضمانات أميركية وبريطانية، إلا أنّ هذا الاحتمال يبقى وارداً.

وهناك فرضية أقرب إلى الواقع أيضاً، ترى أن تكون الولايات المتحدة قد نشرت فعلاً جزءاً من أسلحتها النووية التكتيكية في بعض مناطق أوكرانيا كما فعلت مع بعض دول أوروبا الغربية. فهذا ما صرحت به روز غوتمولر نائبة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الحدّ من التسلح سابقاً، من أن بلادها نشرت أسلحة نووية في دول أوروبية، فمن يؤكّد أن لا تكون أوكرانيا واحدة من هذه الدول، طالما هي خط الدفاع الأول عن الدول الغربية؟
 
فرضيات كثيرة طرحها زيلينسكي في خطابه عن إعلان بلاده دولة نووية، ولكن كل هذا أتى من ضمن سياق تسارع الأحداث والتطورات. لكن الملفت أن إعلانه أتى بعد التصريح التي حذرت فيه موسكو إسرائيل من توجيه ضربة لمنشآت نووية إيرانية في أعقاب ردها على ضربات إيران الصاروخية، هذا ما نقلته وكالة تاس الروسية للأنباء، الخميس 17 تشرين الأول (أكتوبر) عن نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف.

معادلة جديدة فرضها زيلينسكي بعد التصعيد الروسي غير المسبوق في موقفه تجاه إسرائيل من ضربها منشآت إيرانية نووية. هذه الضربة المنتظرة ارتفعت حظوظها بعد اتهام رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إيران مباشرة بعد أن استهدفت صباح السبت 19 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، مسيرة آتية من لبنان، منزله في قيسارية.

يجد البعض أنّ شعور بوتين بـ"الإستفزاز" من قبيل امتلاك كييف للقنبلة النووية، هو نفسه "الاستفزاز" التي تعاني منه إسرائيل من امتلاك طهران للقنبلة النووية. وضعت روسيا "فيتو" أمام إسرائيل في ردها الانتقامي، فخرج زيلينسكي ملوحاً بامتلاك بلاده للسلاح الردعي ما يفتح في المجال للمزيد من وضع فرضية جديدة إضافية تتعلق بالتهديد الأوكراني لامتلاكه النووي، من أن تكون تل أبيب من نشر على أرض أوكرانيا البعض منها، في رسالة واضحة لموسكو إن أقدمت على تنفيذ وعدها بالدفاع عن إيران في حال تعرضت لأي هجوم من قبل تل أبيب.

إنها الحرب الإيرانية- الإسرائيلية في منطقة الشرق الأوسط، التي تمتد جذورها إلى الحرب الدائرة في شرق أوروبا، حيث العلاقات الإيرانية– الروسية تفرض نفسها على كلا الجبهتين. الأمر الذي جعل من دعوة الرئيس بوتين للعب دور وسيط بين تل أبيب وطهران لإحلال التسوية، ضعيف ويحتاج إلى تعديلات. لهذا قد تقدم إسرائيل في ردها على الهجوم الإيراني الصاروخي على ضرب منشآت إيران النووية، لكنّ هذا قد لا يجبر روسيا على الدفاع عن حليفته رغم التهديدات التي وضعها البعض في خانة التهويل الدبلوماسي، خوفاً من أن تعمد إسرائيل وحلفيتها الولايات المتحدة على الاقدام على تسليح أوكرانيا بهذه الأسلحة ما يجعلها تقف أمام واقع متغيّر يجبرها على وقف الحرب حتى ولو لم تحقق موسكو أهدافها من العملية العسكرية الخاصة، أو الانزلاق نحو الحرب الكبرى تلك التي أمر الرئيس الصيني شي جين بينغ بالتحضير لها.

اقرأ في النهار Premium