الدمار في مقر إقامة الصحافيين الذي استهدفته غارة إسرائيلية في حاصبيا، جنوب لبنان.
لماذا يقاتل "حزب الله" رغم كل الدمار والخسائر التي نزلت به وبلبنان ويصر على مواقفه في المسائل السياسية الداخلية وفي المفاوضات المتعلقة بوقف إطلاق النار بينه وبين اسرائيل؟
ليس عاديا أن يخوض حزب حرباً شاملة مع دولة أخرى، الأحزاب عادة تخوض حروب تحرير أو حروباً داخلية، أما أن يتنكب حزب لوحده مهمة حرب ضد دولة عدوة، فأمر غير معهود وفريد من نوعه. ليس الحزب دولة بالمعنى الصحيح للكلمة، لكنه في الواقع يملك مقومات دولة: جيش يفوق عديده عديد جيش دولة، مؤسسات أمنية واقتصادية واجتماعية واستشفائية وشبه مصرف مركزي ومدارس وجامعة وشبكة اتصالات خاصة وعلاقات دولية...وخصوم سياسيون وأعداء حارجيون.
امتلاك الحزب هذا الكيان الكبير من المؤسسات يبعده عن أن يكون حركة تحرير تقليدية، فهو يعمل فوق الأرض (وإن كان جزء كبير من بنيته العسكرية تحت الأرض). وهو يعلم أنه يقاتل دولة تملك ما يمكنها من رصده واستهدافه بوضوح من الجو. وربما كان هذا التمدد الكبير للحزب في مناطق بيئته إحدى نقاط ضعفه، اذ شكل عبئاً كبيراً على الجناح العسكري المدرب تدريباً جيداً والمستعد لمواجهة طويلة أيا كانت الخسائر في مواقعه.
حركات التحرير تقاتل بشكل مختلف كلياً، تخوض حرب عصابات، لا تكشف قياداتها وعناصرها. هؤلاء إما مدنيون يعملون تحت جنح الظلام وفي الخفاء، أو يقيمون في الغابات والمغاور المحصنة ولا تُعرف اسماؤهم للعامة الا بعد انتهاء مهماتهم، عملهم اجمالاً سري ويعيشون حال تقشف قصوى.
الحزب اختار أسلوباً آخر لحرب تحرير، أسلوب المواجهة المباشرة: جيش مقابل جيش. جيش يقاتل من الجو ومن البحر ومن البر وجيش يقاتل من تحت الأرض. نجحت الاستراتيجية عام 2006 فصمد جيش الحزب ومنع اسرائيل من التقدم شبراً واحداً رغم كل الدمار الذي أحدثته في العمران في الجنوب والضاحية الجنوبية.
هل تفاجأ الحزب اليوم بحجم العدوان الاسرائيلي على مؤسساته وبيئته، وعلى مواقعه العسكرية ومخازن صواريخه؟ أم كان اطمأن الى قدراته وإلى معادلة الردع وتوازن القوى التي كان يردد دائماً أنه أرساها في مواجهة اسرائيل؟ هل بلغ الاختراق الأمني حداً صعب معه تداركه والحرب قائمة؟ هذه الأسئلة تجد بعض الأجوبة في الوقائع الجارية وفي تحليلها، ويبقى بعضها رهن الأيام وما سيكشفه الحزب في مقبل الأيام.
يقاتل الحزب رغم كل الدمار والقتل وخسارة القيادات السياسية والأمنية والعسكرية لأن القتال هو خياره الأول. لقد نشأ حزباً مقاتلاً جهادياً في الأساس قبل أن يتحول تدريجياً الى حزب سياسي منخرط في الحياة السياسية اللبنانية بكل ما فيها من علل ويصبح جزءاً من المنظومة السياسية الحاكمة مهما حاول ان يظهر نفسه مميزاً ومتمايزاً. بقي الحزب محافظاً على عقيدة قتالية تنظر الى أبعد من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وبلدة الغجر المحتلة. فلسطين في صلب عقيدة الحزب الذي لم يخف أبداً انتماءه الى الثورة الإسلامية في إيران رافعة شعارات تحرير القدس. الحزب صلب في اعتقاداته "الإلهية"، وهو يخوض حربه اليوم تحت شعار لطالما تباهى به"النصر أو الشهادة" وفي عقيدته كلاهما سواء.
الحزب يخوض اليوم حرب بقاء، ولذلك يتصلب في مواقفه ولا يتنازل في السياسة، فلا يقبل بمقترحات حلول هي بمثابة هزيمة معلنة له. سيبقى يقاتل أياً كانت النتائج وهو في كل الحالات سيظل يعتبر نفسه منتصراً. وعندما تتوقف الحرب يوماً ما، قرب أو بعد، سيلملم الحزب نفسه وعندها فقط يعلم الجميع أين سيكون مكانه في التشكيلة اللبنانية، وكيف سيكون لبنان مستقبلاً.