الأخبار الواردة من واشنطن متضاربة؛ فيها ما يمكن أن يشيع التفاؤل، وفيها ما يمكن أن يؤكد التشاؤم. الأخبار عن اختيار السيد دونالد ترامب، الرئيس المنتخب، لفريقه التنفيذي، أن معظمهم من "الصقور"، لهم آراء مسبقة في عدد من الملفات الدولية، أوكرانيا، والشرق الأوسط، والاقتصاد، والهجرة غير الشرعية، والمناخ، بجانب عدد آخر من الملفات.
قراءة ما يمكن أن يحدث في المستقبل تشوبها الضبابية، وفيها رسائل مبكرة تنبئ بالشيء ونقيضه. أوروبا متشائمة، فكل من بريطانيا وفرنسا وحتى ألمانيا، مُتخذُ القرار فيها متخوف من رفع الرسوم الجمركية على بضائعها المصدرة للولايات المتحدة، ومتخوفة استراتيجياً من خلل يصيب تحالف الأطلسي، وبعضهم كما فعل بعض النخبة الفرنسية في بيان/عريضة موقعة نشرت في الأسبوع الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، متخوفون حتى من مستقبل الديموقراطية في الجسم الغربي من العالم!
ما يعنينا نحن في الشرق الأوسط هو الحرب في لبنان وفي غزة، والتدخل الإيراني في شؤون الجيران مما يمكن أن يُطلق عليه "المشروع الإيراني" في الجوار.
الإدارة الجديدة تحدثت على لسان الرئيس أنها تريد إحلال السلام. ذلك أمر مطلق، ولكن كيف؟ ومتى؟ التفاصيل هي الأكثر أهمية من المطلقات. ربما من المبكر الحديث عن قدرة الرئيس الجديد (وحده) في تنفيذ وعده بـ"السلام"، والذي دائماً ما نتبعه في أدبياتنا بكلمة "العادل". قد يكون سلاماً إسرائيلياً، أبعد منه سلاماً "عادلاً"! بحسب تلك المجموعة الجمهورية المؤثرة في الإدارة، والتي تميل بقوة لمساندة إسرائيل في الكونغرس وخارجه. ما رشح حتى الآن من مستشار الرئيس للشرق الأوسط، أنه سيكون سلاماً "سياسياً – اقتصادياً" مع تلميح أن تمويله في الشق الثاني سيكون خليجياً، وهو أمر لافت!!
على الجانب الآخر هناك "تحد إيراني" لكل المطروح من أفكار السلام؛ ففي الوقت الذي يقدم السيد نجيب ميقاتي رئيس الوزراء اللبناني، المحدود الصلاحية، خطابه في القمة العربية الإسلامية في الرياض، ويشدد على استقلال لبنان وسيادته، كان "حزب الله" ينظم - في الوقت نفسه - مؤتمراً في بيروت للمتحدث الرسمي للحزب، ويقول بوضوح إن "العلاقة مع إيران راسخة"، وذلك يعني استمرار الصراع، وبقاء الدولة الهشة.
إيران من جانبها، أو على الأقل حتى الآن، نسمع لها مواقف "شبه متناقضة" وقد كانت كذلك منذ فترة حتى قبل انتخاب المعتدل مسعود بزشكيان. كما يظهر أن سياستها هي "الاحتفاظ بالتفاحة وأكلها في الوقت نفسه"، ولعل القارئ يتذكر أنه بعد أسابيع من اندلاع أحداث 7 تشرين الأول (أكتوبر) العام الماضي، في غزة، تقدم المرحوم عبد اللهيان، وزير الخارجية الإيراني وقتها، باقتراح "تبادل المحتجزين والأسرى بين حماس وإسرائيل في طهران"!
الحديث الآن يتجه إلى هدفين؛ في الغالب تسعى الإدارة الأميركية في الشرق الأوسط لتحقيقهما، وهو غزة من دون "حماس"، ولبنان من دون حزب مسلح! ذلك قول قد يكون من الصعوبة تحقيقه، خاصة في الجزء الثاني منه؛ لأن الحزب المسلح أصبح له "مؤسسات وارتباط مصالح"، ولم يتبلور لبنانياً حتى الآن بديل واضح، فليس لدى القوى اللبنانية الأخرى قدرة على العمل الجاد للتوحد حول شعار إحياء الدولة ونزع سلاح "حزب الله"، وإن وجدت الرغبة لدى البعض... كما ليس لديها القدرة على إعادة بناء الدولة، ومفتاح المجلس النيابي لدى السيد نبيه بري المفاوض الرئيسي، بدلاً من الدولة الغائبة.
إذاً في هذا الملف التعقيد هو سيد الموقف، وليس من السهل أن تتنازل إيران في الوضع الطبيعي عن تلك المكاسب التي استثمرت فيها كثيراً من الجهد والمال.
على الصعيد الفلسطيني هناك حلول وسطى معقولة مطروحة، بأن يكون هناك إدارة مشتركة بطريقة ما مع قوى دولية لإدارة القطاع، تقابل حتى الآن برفض من السلطة، إما بسبب قصور في قراءة المشهد، أو رضوخ لضغوط، أو ربما خوف من تصفية ما، لذلك سوف يبقى هذا الملف معلقاً كما كان، وتحوطه المزايدة.
إيران وأذرعها ستكون تحت منظار الإدارة الجديدة، فهي أي تلك الأذرع، لا تعطل الدولة في العراق ولبنان، ولكن أيضاً تسبب الفوضى في الاقتصاد العالمي، عن طريق العبث بالممر المائي جنوب البحر الأحمر، وجهود الحوثي هي "إعلامية أكثر منها ضرراً كبيراً على الاقتصاد الإسرائيلي". الضرر الحقيقي هو على اقتصاد مصر، حيث خسرت قناة السويس نصف دخلها على الأقل في السنة الماضية، وهو أمر لن يترك دون متابعة حثيثة من الإدارة الجديدة.
آخر الكلام: قد يحدث تغيّر في المشهد، بعد صمت المدافع، خاصة في الداخل الإسرائيلي. وإن حدث يحتاج إلى جهد فلسطيني يقابله، ومن ثم عربي، للتكيف مع المستجدات بحساب منطقي لا عاطفي.