كما في الشكل، كذلك في المضمون، لم تكن الإطلالة الأخيرة للأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم متماسكة وحازمة رغم حرصه على أن تكون كذلك. ذلك أن المواقف التي أطلقها في الاستحقاقات المطروحة لم تأت متناسقة بل حملت جملة من التناقضات لا يمكن فهمها أو تبريرها إلا بسببين أحدهما أن الحزب يعاني حالة من التخبّط على مستوى القيادة السياسية الداخلية التي تستوجب وجود مسار واضح ومحدّد لمقاربة الملفات الداخلية، مفترض أن يكون ثابتاً لدى الحزب، كما كان أقله قبل حرب الإسناد، لا سيما في ما يتصل بمسألة السلاح وانتخاب رئيس الجمهورية، أو على صعيد المواقف التي استجدّت بعد حرب الإسناد، وتتصل بمسألة المواجهة مع إسرائيل والربط مع غزة على أساس معادلة الميدان في ما يتعلق بوقف إطلاق النار.
وقد حملت مواقف قاسم في هذه المسائل رسائل متعددة الوجهات، منها ما هو موجّه إلى قواعد الحزب لشدّ العصب عبر تأكيد الاستمرار في الحرب، وفقاً لما يرسمه مسار التصعيد في المعطيات الميدانية، ومنها ما هو موجّه لإسرائيل والمفاوض الأميركي ويتصل بمسار المفاوضات الجارية لوقف إطلاق النار، وقد تعامل مع الاتفاق الجاري التفاوض في شأنه بمرونة مبطنة بكلام منمّق يرضي تلك القواعد ولا سيما منها تلك المتشددة داخل الحزب. وللمفارقة، بدا لافتاً أن اعتراف قاسم بالمفاوض الأميركي والدور الذي يقوم به توصّلاً إلى وقف إطلاق النار، استتبع فوراً في الشق الثاني من الخطاب بوصف الولايات المتحدة الأميركية، الوسيطة في ملفّ التفاوض بـ"الوحوش البشرية".
أبرز التناقضات ظهر في الشق الداخلي من خطاب قاسم، حيث شدّد على نقاط أربع ستحكم سلوكه الداخلي. فإعادة الإعمار لن تكون فردية وتتكل على مساعدة الدولة الراعية للحرب، والحليفة الأساسية إن لم تكن المشغلة للحزب، أي إيران، بل على الدولة وكل الدول والقوى والشرفاء، علماً بأن قاسم يدرك أن مساهمة الجهات التي ذكرها في الإعمار لها شروطها المتعلقة بالسلاح.
لكن النقاط الأهم تأتي في ما كشفه عن تفعيل الدور السياسي للحزب بحيث تكون خطواته السياسية تحت سقف الطائف. ولعلها المرة الأولى التي يقارب فيها "حزب الله" العمل السياسي على الساحة الداخلية من باب احترام اتفاق الطائف والعمل تحت سقفه. وهذه النقطة تقود إلى النقطة الثالثة التي لا تقلّ أهمية وتتعلق بتقديم الحزب مساهمته لانتخاب رئيس الجمهورية بالطريقة الدستورية. أما النقطة الرابعة فأراد منها قاسم تأكيد حضور الحزب في الميدان السياسي بقواه الشعبية والسياسية، من دون أي إشارة إلى سلاحه وقوته العسكرية.
في تعليق للنائب في الحزب علي فيّاض في حديث تلفزيوني أمس، كان لافتاً قوله إن "مواقف قاسم حملت رسائل مثقلة بالإيجابية والمرونة"، ما يعكس رغبة واضحة للحزب في النزول عن شجرة السقوف العالية والعودة إلى الداخل من خلال تقديم نفسه حزباً سياسياً لا يتكل على فائض قوّته العسكرية التي وضعت البلاد تحت نفوذه على مدى عقدين، مع كلّ ما رتّبه ذلك من تعطيل للحياة السياسية والعمل الديموقراطي في البلاد.
[email protected]