لا يقتصر نجاح الإمارات الاقتصادي على الداخل فقط (أ ف ب)
عبد الرحمن أياس
دولة الإمارات العربية المتحدة، التي كانت تعتمد يوماً ما على النفط كمصدر رئيسي للدخل، تجدّد يوماً بعد يوم قصة نجاح عالمي في التنويع الاقتصادي والتنمية المستدامة. الدولة التي نجحت في بناء اقتصاد قوي ومتنوع، تعمل الآن لتعزيز مكانتها كمركز مالي عالمي وجاذب للاستثمارات. هذه الرحلة الغنية تُبرز كيف يمكن لدولة أن تستخدم ثروتها الطبيعية ليس لبناء اقتصاد مستدام وحسب، بل أيضاً لتمكين أجيال المستقبل.
في عام 2023، بلغ الناتج المحلي الإجمالي للإمارات بالقيمة الحقيقية (تَعادُل القدرة الشرائية) نحو 719,7 مليار دولار، مرتفعاً من 696 مليار دولار في العام السابق، ما يعكس قدرة الاقتصاد الإماراتي على تحقيق نمو مطرد على رغم التحدّيات العالمية. لم يكن هذا النمو مجرد صدفة؛ حقق الاقتصاد معدل نمو سنوي بلغ 3.4 في المئة في عام 2023، بعد قفزة هائلة وصلت إلى 7.85 في المئة في عام 2022. وبينما تواجه الاقتصادات العالمية تحدّيات كبيرة مثل التضخم وانكماش الاستثمار، تسجل الإمارات إنجازات اقتصادية جعلتها في مقدّم الأسواق الناشئة.
ما يميز الإمارات صلابة حصة الفرد من نمو اقتصادها. مع نصيب للفرد من الناتج المحلي الإجمالي بلغ 75,600 دولار في عام 2023، تُعَدّ الإمارات من بين الدول الأولى عالمياً في هذا المؤشر، ما يعكس الرفاه الاقتصادي لسكانها وقدرتهم على تحقيق مستويات معيشة مرتفعة. هذه الأرقام ليست مجرد بيانات، بل تعكس قصة نجاح دولة استطاعت أن تضع نفسها بسرعة نسبية في مصاف الاقتصادات العالمية المتقدّمة.
القطاع المصرفي في الإمارات هو أحد أهم ركائز هذا النجاح الاقتصادي. في تموز (يوليو) 2024، تجاوز إجمالي رأس المال والاحتياطيات لدى المصارف الإماراتية 137 مليار دولار للمرّة الأولى في تاريخ القطاع. وهذا الإنجاز يعكس نمواً سنوياً بنسبة 10.5 في المئة، إذ ارتفع الرقم من 124 مليار دولار في تموز (يوليو) 2023. وكانت المصارف الوطنية في طليعة هذا النمو، إذ استحوذت على 86.3 في المئة من الإجمالي، ما يعادل 118 مليار دولار. وتؤدي المصارف الأجنبية أيضاً دوراً مهماً، إذ سجلت رأس مال واحتياطيات بقيمة 18,7 مليار دولار، بزيادة سنوية قدرها 11.1 في المئة. هذه الأرقام تعكس مكانة الإمارات كمركز مالي عالمي يجذب المؤسسات المالية الكبرى والاستثمارات الأجنبية.
ومن ضمن جهودها لتعزيز جاذبية الاقتصاد، أعلنت الإمارات عام 2024 عن استراتيجية الاستثمار الوطني 2031، وهي خطة طموحة تهدف إلى مضاعفة رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر ثلاث مرات ليصل إلى 599 مليار دولار بحلول العام المستهدف. تأتي هذه الاستراتيجية في وقت شهد فيه العالم ركوداً اقتصادياً، بينما سجلت الإمارات تدفقاً استثمارياً قدره 30,7 مليار دولار في عام 2023، بزيادة بنسبة 35 في المئة عن العام السابق. تستهدف الاستراتيجية الاستثمار في قطاعات واعدة مثل التصنيع المتقدم والطاقة المتجددة والسياحة والعقارات، مع تعزيز الشراكات الدولية وتحسين البيئة الاستثمارية والبنية التحتية. الإمارات، التي تُعتبَر بالفعل واحدة من أفضل الوجهات الاستثمارية في العالم، تسعى من خلال هذه الاستراتيجية إلى تعزيز مكانتها وجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
ولا يقتصر نجاح الإمارات الاقتصادي على الداخل فقط؛ تتخذ الدولة خطوات جادة لتعزيز الاستدامة ومكافحة تغيّر المناخ. بحلول عام 2030، تخطط الإمارات لاستثمار 54,5 مليار دولار لزيادة حصة الطاقة النظيفة إلى 30 في المئة من إجمالي الطاقة المنتجة. يمثّل هذا التحول جزءاً من رؤية الإمارات لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050. وتُعَدّ "شركة بترول أبو ظبي الوطنية" (أدنوك) في مقدّم هذا التحول، إذ خصصت 23 مليار دولار لمشاريع إزالة الكربون وتكنولوجيات الطاقة النظيفة. كذلك أعلنت الشركة أخيراً عن تسريع هدفها لزيادة إنتاج النفط إلى 5 ملايين برميل يومياً بحلول عام 2027، ما يعكس موازنة الإمارات بين تلبية الطلب العالمي على الطاقة ودعم جهود الاستدامة.
لكن ماذا عن المستقبل؟ ليست الإمارات فقط في سباق للحفاظ على مكانتها، بل تسعى أيضاً إلى تعزيزها. مع استثمارات ضخمة في التكنولوجيا، والطاقة المتجددة، والبنية التحتية، تضع الإمارات نفسها في طليعة الدول التي تسعى إلى اقتصاد قائم على المعرفة والاستدامة. والإمارات، التي بدأت كدولة تعتمد على النفط، أصبحت اليوم نموذجاً عالمياً للتنويع الاقتصادي والتنمية المستدامة. بفضل رؤيتها وقيادتها، يبدو مستقبل الإمارات مشرقاً. هي ليست فقط مركزاً مالياً وتجارياً، بل أيضاً دولة تسعى إلى تحقيق التوازن بين النمو والاستدامة الاقتصاديّين، ما يجعلها وجهة مثالية للاستثمارات العالمية.