أمضت إسرائيل عاماً كاملاً وهي تسعى إلى ترميم هذه المقومات في حرب مدمرة على غزة سقط فيها نحو 42 ألف فلسطيني، معظمهم من المدنيين، ونحو ضعفهم من الجرحى، عدا آلاف المفقودين ودمار طال 90 في المئة من البنى التحتية في القطاع، ما حوّل هذا الجيب الصغير إلى منطقة غير قابلة للحياة.
غيّر يوم السابع من تشرين الأول 2023 أكثر بكثير مما فعل يوم السادس من تشرين الأول عام 1973، عندما اخترق الجيشان المصري والسوري الجبهة في هجوم مباغت، وشكل فشلاً عسكرياً واستخبارياً ترك تداعياته على المشهد الإسرائيلي الداخلي وعلى الشرق الأوسط في ما بعد.
بعد عام على 7 تشرين الأول، لا يزال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يمضي في استراتيجية عسكرية خالصة وعقلية انتقامية، من دون أن يفسح المجال أمام أي أفق سياسي أو الحديث عن "اليوم التالي" الذي سيلي الحرب.
وبرغم أن الرئيس الأميركي جو بايدن هرع لإنقاذ إسرائيل بعد 7 تشرين الأول، وقدم لها حماية عسكرية ودبلوماسية، كما لم يفعل أي رئيس أميركي من قبل، فإن نتنياهو تلاعب به ورفض مناشداته لوقف الحرب والتطلع إلى عملية سياسية توصل إلى إلى حل الدولتين و"تدمج" إسرائيل في المنطقة.
تمسك نتنياهو بمقولة "النصر المطلق" على "حماس"، مع أن بعض السياسيين والعسكريين في إسرائيل يتحفظون على هذه الفكرة، ويفضلون التوصل إلى صفقة تنهي الحرب وتؤمن الإفراج عما تبقى من الأسرى الإسرائيليين لدى "حماس".
والتصلّب الذي يبديه نتنياهو وإصراره على استمرار الحرب برغم معرفته بأنه يخاطر بتعريض العلاقات الأميركية-الإسرائيلية لضرر كبير، فضلاً عن المخاطرة بحياة الأسرى الإسرائيليين، عائد في جزء كبير منه إلى أسباب شخصية، في مقدمتها السعي إلى الهروب من المحاسبة عن الإخفاق في 7 تشرين الأول. ولقد دأب نتنياهو على تحميل الجيش والاستخبارات تبعة الفشل يومذاك، ولم يقبل تحمل أي مسؤولية في هذا الشأن.
وصحيح أن الجيش الإسرائيلي احتل غزة مجدداً، لكن "النصر المطلق" لم يتحقق. وقبل يومين، بدأت إسرائيل عملية عسكرية جديدة في منطقة جباليا شمال القطاع، في دليل إلى أن "حماس" تعيد ترميم قوتها حيث تتيح لها الظروف ذلك، ولا يزال زعيم الحركة يحيى السنوار طليقاً، مع أن إسرائيل قتلت الكثير من قادة الحركة وشطرت القطاع إلى قسمين عبر محور نتساريم.
وباعتراف المحللين العسكريين الغربيين، فإن شبكة الأنفاق التي أقامها السنوار في غزة، فاقت كثيراً التوقعات الإسرائيلية. وهناك من يوجه اللوم إلى نتنياهو على إغفاله القدرات العسكرية لـ"حماس"، كي يتهرب من الدخول في أي مفاوضات مع السلطة الفلسطينية.
الحرب لم تعد محصورة في غزة، وتهدد بنشوب نزاع إقليمي واسع، في ضوء الهجمات الواسعة التي بدأتها إسرائيل على "حزب الله" في لبنان والضربات غير المسبوقة التي وجهتها للحزب منذ أواسط أيلول (سبتمبر)، والتي وصلت إلى اغتيال الأمين العام للحزب حسن نصر الله وكبار القادة، في ظل حرب جوية واسعة النطاق أفضت إلى تهجير أكثر من 1.2 مليون لبناني من مدنهم وقراهم في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت في ما يؤشر إلى مسار لتحويل لبنان إلى غزة ثانية.
وتوسيع الحرب إلى الجبهة اللبنانية، بدأه نتنياهو تحت شعار إعادة نازحي مستوطنات الشمال، وتطور في ما بعد إلى رفع شعار "تغيير موازين القوى" في الشرق الأوسط، في إشارة إلى إيران التي يعتبرها رئيس الوزراء الإسرائيلي محور "الجبهات السبع" التي تقاتل عليها إسرائيل.
يعد نتنياهو لتوجيه ضربة جديدة لإيران، بعد القصف الصاروخي الإيراني الثلثاء على إسرائيل، رداً على اغتيال نصر الله ورئيس المكتب السياسي لـ"حماس" إسماعيل هنية. وعلى الضربة الإسرائيلية تتوقف مسألة اندلاع صراع أوسع قد تتورط فيه أميركا على أبواب الانتخابات الرئاسية بعد أقل من شهر، ولا يصب في مصلحة المرشحة الديموقراطية كامالا هاريس.
بعد عام من 7 تشرين الأول، الشرق الأوسط بكامله مهدد بالسقوط في الهاوية، وفق ما حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.