لم يعد السؤال عن إمكان اشتعال حرب واسعة في لبنان. بات السؤال الى أي مدى ستتوسع؟ فبعد اغتيال الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله صار واضحاً أن الحرب الدائرة بين إسرائيل و"حزب الله" تهدف من ناحية الطرف الأول الى حسم صراع كبير، ليس بين لبنان وإسرائيل، بل بين إسرائيل وإيران على مستوى المنطقة. وبهذا المعنى فإن إسرائيل تبدو معنية بتصفية الحساب القديم مع "حزب الله" بمحاولة "كسر ظهر" الحزب وتغيير الواقع على حدودها الشمالية. وبهذا المعنى أيضاً، ومن ناحية أخرى، فإن "حزب الله" يلعب ورقة وظيفته الإقليمية، وهي على وجوده وبقائه. فمن دون وظيفة "حزب الله" كذراع إيرانية في لبنان، سيفقد حكما ميزته على الأرض اللبنانية، خصوصاً إذا مني بهزيمة استراتيجية على يد إسرائيل. وعندما نتحدث عن إسرائيل، فإننا نتحدث أيضاً عن الولايات المتحدة زعيمة المعسكر الغربي الذي يهمه أيضاً أن يكون شريكاً في تصفية الحساب مع إيران عبر محاولة قطع ذراعها في لبنان كمرحلة أولى قبل معالجة الواقعين السوري والعراقي.
ومن هنا، فإن حرب إسرائيل و"حزب الله" صعبة وخطيرة للغاية لأنها تضع في الميزان المشروع التوسعي الايراني الذي يشكل فيه "حزب الله" رأس حربة فعالة جداً ومتفوقة على سائر الفصائل المرتبطة بإيران في المنطقة. ولكن، من جهة أخرى، فإن هذه الحرب ان استمرت وتفاقمت ستشكل أكبر خطر على الديموغرافيا الاجتماعية والاقتصادية للبيئة الحاضنة لـ"حزب الله" في لبنان. فعلى رغم مظاهر التضامن الوطني اللبناني الداخلي الإنساني العارم مع البيئة الحاضنة للحزب، قد يزول مفعول العاطفة التضامنية بسرعة في حالتين، الأولى أن تطول الحرب فتطول حالة النزوح لترتفع بالتالي احتمالات التوتر بين النازح والمقيم من خارج البيئة الحاضنة لـ"حزب الله"، والثانية أن تتعرض مناطق لبنانية لاستهدافات إسرائيلية، لاسيما اذا كانت خارج اطار نفوذ "حزب الله"، تستقبل نازحين من بيئة الحزب المذكور. وثمة مشكلة أخرى سوف يتعرض لها لبنان جراء اطالة امد الحرب، وتتمثل بتفاقم الأزمة الاقتصادية والمالية، وازدياد ضعف الدولة ومؤسساتها. كل ذلك ينذر بمضاعفات خطيرة على اكثر من صعيد، ليس اقلها تعالي الأصوات اللبنانية الداعية الى تقسيم لبنان والانفصال نهائياً عن مشروع "حزب الله". أي أن التعايش مع مشروع "حزب الله" يجب أن يصبح خياراً لا قدراً في ظل استسلام الطاقم الحكام الفاضح لمشيئة "حزب الله" ومغامراته ومقامراته، وكأنه طاقم حكام لا وظيفة له سوى خدمة مصالح "حزب الله" والتغطية على دوره كذراع أمنية وعسكرية للخارج.
لقد اقحم لبنان عنوة في حرب ستؤدي الى كارثة حقيقية. والآن يجري تدمير ما تبقى من لبنان تحت شعارات فارغة تذكرنا بشعارات الناصرية والديكتاتوريات العسكرية العربية. لقد جنى محور "وحدة الساحات" على غزة. ودفع الفصائل هناك الى الانتحار. وها هي غزة تنحر وتصرخ بعد مرور ما يقرب من العام على مرأى من العالم وما من مغيث. لقد سقطت اهداف حركة "حماس" في عملية "طوفان الأقصى"، واليوم جار اسقاط كل شعارات "حزب الله" وخطوطه الحمر المتصلة بمعادلة المواجهة مع إسرائيل. كل ذلك إن دل على شيء فعلى حجم الأخطاء الفادحة التي ارتكبت بداية في غزة، وثم في لبنان، حيث طغت الشعارات والحروب النفسية على الواقع الذي نلمسه اليوم. والسؤال، متى ينتهي اللعب بمصائر الشعوب بأيد محلية؟
عندما نفذت حركة "حماس" عملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، وضعت مجموعة أهداف للعملية، أولها أنها رد على الاعتداءات على المسجد الأقصى، وثانيها كسر الحصار المفروض على قطاع غزة، وثالثها أن العملية ستؤمن تبييض السجون الإسرائيلية من المعتقلين الفلسطينيين وعددهم حوالي 6000. رابعاً وأخيراً أنها تمثل بداية تحرير فلسطين من النهر إلى البحر من الاحتلال الإسرائيلي. انتهت الحرب بعد أقل من سنة ومطالب "حماس"، وقف الحرب، السماح بعودة مليوني نازح الى منازلهم والتنقل من الجنوب الى الشمال، وانسحاب إسرائيل من القطاع، وتبادل أعداد غير محددة من الرهائن بمعتقلين فلسطينيين بعدما تضاعف عددهم إلى الضعف. نأمل ألاّ تتكرر التجربة في لبنان!