النهار

اللبنانيون والمفاصلة الإيرانية
أعلام "حزب الله" وصورة نصرالله.
A+   A-

يراهن الجميع الآن على وعي ونضج الشارع اللبناني في التخارج من العباءة الإيرانية، وإعلان المفاصلة التي تأخرت أكثر من 40 عاماً ووضعت الدولة اللبنانية في مهب الريح، وحولتها إلى شبه دولة متهالكة المؤسسات ومنتزعة السيادة في ظل هيمنة "حزب الله" على صناعة القرار السياسي والعسكري.

 

ربما لا يختلف أحد على أن "حزب الله" كان بمثابة شوكة صلبة في حلق الكيان الصهيوني ومصالحه، نتيجة تبعيته لجناح "المقاومة الإسلامية" الموالي للأجندة الإيرانية، والتي جعلته دولة داخل الدولة، في الوقت الذي تحول فيه إلى نقمة كبيرة على لبنان وأهله، وزج به في أتون معارك ضارية زعزعت استقراره السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

 

المشهد الراهن لا يحتاج سوى استغلال حالة الفراغ السياسي، عقب اهتزاز قوة "حزب الله"، وتقليم أظافره، وسقوط عدد من رموزه وقياداته، وأن يلتف اللبنانيون حول "وطنهم" وتحييده عن أية صراعات في تجرد تام، وفي حالة يبقى فيها "لبنان"، الغاية وليس الوسيلة، ومن دون ولاءات سياسية أو مذهبية أو طائفية، أو إملاءات خارجية وإقليمية تتعامل مع الاستحقاقات الدستورية على أنها مكاسب سياسية.
المفاصلة اللبنانية العاجلة عن الأجندة الإيرانية، و"حزب الله"، سيحمي لبنان بلا شك من السقوط في فخ الصراع المشتعل بين طهران وتل أبيب، وانفكاكه عن أية خريطة لمحاور الممانعة أو المقاومة، وعدم ربط مستقبله بجبهة التوتر والصراع في الداخل الغزاوي، مع إتاحة فرصة بناء واستقلال مؤسساته العسكرية والسياسية والاقتصادية بعيداً من الأهداف الإيرانية التي تنجرف به إلى مستنقع "حرب إقليمية"، يتحمل فيها فاتورة الخراب والدمار وحيداً.

 

تفكيك معضلة الداخل اللبناني، لن تتم دون اتخاذ قرار سيادي بحل "حزب الله"، وتسليم ترسانة أسلحته وجميع مرتكزاته العسكرية للجيش اللبناني، على أن تؤول مختلف كياناته إلى مؤسسات الدولة اللبنانية، ومراجعة إيديولوجيته الفكرية والسياسية، والتخارج من الحالة العبثية التي عصفت بمختلف مؤسسات الدولة وعطلتها عن دورها في كسر الجمود السياسي، والعمل على التغيير الجذري للنظام السياسي وهندسة تشريعاته في ضوء التخلص من "الدولة الطائفية"، واستبدالها بدولة وطنية مدنية تمثيلية وليست توافقية، مكتملة الأركان والمؤسسات، ينتخب في إطارها رئيس الدولة، وتشكيل حكومة قوية قادرة على بناء جدار الثقة، وتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي والمصرفي مرة أخرى.

 

تأخر الفرقاء اللبنانيون في الوصول إلى أي اتفاق يؤسس لمرحلة جديدة، ويفكك المشهد السياسي الراهن، ويرتكز على مدنية الدولة ودستورها دون التباين في النصوص التشريعية، أو الوقوع بين مطرقة وسندان هيمنة التقسيم الديني للسلطة القائم على "اتفاق الطائف"، الموقع في المملكة العربية السعودية عام 1989، ينذر باستمرارية البقاء في دائرة الفراغ الرئاسي والسياسي والتعقيدات الدستورية، التي ستكلف الشارع اللبناني المزيد من الارتباك الاقتصادي والسياسي، في ظل النتائج المترتبة على الحرب الراهنة.

 

الحرب الدائرة حالياً في الجنوب اللبناني، أسقطت القناع عن حجم الفجوة في التطورات التكنولوجية بين المحور الإيراني، وبين إسرائيل وحليفيها الأميركي والبريطاني، والتي سقطت معها الادعاءات بقوة سلاح "حزب الله"، ودوره في حماية الداخل اللبناني من المطامع الصهيونية، باعتباره بديلاً عن المؤسسة العسكرية الرسمية، رغم أن الحقيقة الجلية والتي لا يمكن التغافل عنها تتمثل في أن "حزب الله" لا يدافع عن الداخل اللبناني ولا عن القضية الفلسطينية، لكنه يدافع عن وحدة الساحات الإيرانية التي تضع مصالح المرشد الأعلى، ومشروعه النووي وسيادة وتمدد الهلال الشيعي في العمق العربي، في قائمة أولوياته وعلى حساب اللبنانيين واستقرارهم.

 

الهجمة  الإسرائيلية الشرسة على الجنوب اللبناني، لا تستهدف استئصال أو ردع الذراع الإيرانية "حزب الله"، بقدر ما تستهدف تغيير موازين القوى واستبدال التركيبة الاجتماعية والسياسية في لبنان أولاً، وفي منطقة الشرق الأوسط ثانياً، من خلال اللعب على وتر النزعة الطائفية. ومن ثم فإن تماسك الجبهة الداخلية والاصطفاف الوطني، يمثلان محور ممانعة في الحفاظ على محددات الأمن القومي اللبناني وسيادته في مواجهة الانزلاق تجاه هوة مشاريع التقسيم الفيدرالية أو غيرها، التي تهدف إلى بقاء لبنان في وضع هش ومشلول سياسياً واقتصادياً وأمنياً.

 

تطوير المؤسسة العسكرية اللبنانية وتسليح أفرادها، على أسس العقيدة الوطنية الملتزمة بالحفاظ على التراب اللبناني ومقدراته، يمثل عاملاً فاعلاً في تحقيق استقرار الأوضاع الداخلية، في ظل ضرورة تفكيك منظومة "حزب الله"، التي تتبنى عقيدة طائفية مذهبية مرجعها الولاء لـ"ولاية الفقيه"، وليس للدولة اللبنانية، فضلاً عن ضرورة بسط سيطرتها على جميع الأراضي اللبنانية وممارسة سيادتها عليها وفق أحكام القرار 1559 والقرار 1680 لعام 2006، ومنع تداول الأسلحة أو استخدامها دون موافقة الحكومة، تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701، الذي دعا إلى نزع سلاح جميع الكيانات غير الحكومية.

 

في النهاية المفاصلة اللبنانية الإيرانية آتية لا محالة، فلن يسمح اللبنانيون بتقديم وطنهم قرباناً إلى "دولة الفقيه"، التي لن تتردد في التضحية بلبنان وأهله من أجل مصالحها الخاصة أو وصولاً إلى مآربها النفطية والعسكرية والنووية في إطار من التفاهمات مع الولايات المتحدة الأميركية، أو حتى مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.

اقرأ في النهار Premium