باتت المنطقة أشبه بمدينة تقع على فوهة بركان شبه خامل، يمكن أن يثور في أي وقت، ما يجعل أهلها في حالة فزع مستمر، بل أن التخطيط لمستقبلهم معطل وجل تفكيرهم هو الرحيل! هذا حال منطقة الشرق الأوسط، التي باتت أشبه بمنطقة ملعونة وسط العالم. والسبب يرجع إلى ما يُسمى الشرق الأوسط الجديد، الذي في ما يبدو هو الصراع على مَن يتولى رسم خريطة المنطقة، أو يتولى سيادتها.
لكن الأكيد أن مرارة الشعور الذي انتاب منطقتنا بعد هزيمة حزيران (يونيو) 1967التي غيرت الشرق الأوسط في ستة أيام لمصلحة العدو الإسرائيلي، تذكرها البعض هذه الأيام. والبعض أيضاً تذكر انتصار السادس من تشرين الأول (أكتوبر) الذي أعاد الأمل للمنطقة في ست ساعات! لكن منطقتنا أيضاً لا تزال تعيش حربًا رمادية، ويتساءل أهلها متى تصمت أو تندلع، بدلًا من هذا الاستنزاف الذي نعيشه؟!
حرب ما بين الحروب
لنفهم، لماذا واقع منطقتنا بهذه القتامة؟ نراجع أحد أهم مُنظري الاستراتيجية العسكرية للدولة الإيرانية، العميد عباس نيلفروشان، نائب قائد فيلق القدس، الذي اغتالته إسرائيل مع الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله، فقد أعلن صراحة أثناء من جامعة الإمام الحسين التابعة للحرس الثوري، الثلاثاء 6 شباط (فبراير) 2024، أن المعركة مع إسرائيل يجب أن تكون "حربا ما بين الحروب".
ويوضح الرجل الذي أطلقوا اسمه على احدى طرق طهران، تعبيرا عن جسامة خسارته، أن إسرائيل تدرك أن إيران لن تفكر بالدخول في حرب مع الولايات المتحدة الأميركية. ومن ثمّ لن تدخل في حرب مباشرةً مع إسرائيل إلا مضطرة؛ لأن ذلك سيجرها إلى حرب مع الولايات المتحدة، وهو ما تعمل تل أبيب على توريط واشنطن فيه، وهو ما يضعنا في حرب المنطقة الرمادية!
بذلك تفسر لنا هذه الاستراتيجية العسكرية، لماذا يتم التنسيق بين إيران والولايات المتحدة قبل أي عملية عسكرية. ولماذا يردد الإيرانيون عبارة "لن ننجرف إلى ما خططت له إسرائيل". ولماذا أيضاً عاد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، من منتدى حوار التعاون الآسيوي في قطر، وهو يُبشر بالإفراج عن 6 مليار دولار من أموال بلاده المجمدة في البنوك القطرية بأمر من الولايات المتحدة!
الشرق الأوسط الجديد
هنا، نفهم أن مفهوم الشرق الأوسط الجديد لا يتعلق بالجغرافيا أولاً، بل بالقوى الإقليمية ومدى قدرة كل واحدة منها على رسم الخريطة الجديدة، وهذا يجعل القوى الدولية معنيّة أكثر بمنطقتنا. فقد قالها صراحة رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو في الأمم المتحدة، أنه يعمل على بناء شرق أوسط جديد. أي إنه يعمل على تقليم أظافر إيران لإبعادها عن التأثير في المنطقة. وهو ما ترفضه إيران، ليس بوصفها الجمهورية الإسلامية، ولكن باعتبارها قوة إقليمية مشاركة في مصير المنطقة، ولا يمكن عزلها، فإيران الشاه (عهد محمد رضا بهلوي قبل ثورة 1979) اختارت دعم الجمهورية المصرية في حرب تحرير الأرض، رغم تحالفها مع الولايات المتحدة والدولة العبرية، فالشاه لم يكن يفضل أن تكون لإسرائيل اليد الطولى وحدها في إدارة مستقبل المنطقة.
وهذه المعادلة تفسر لنا عبارة المرشد الإيراني علي خامنئي، في خطبة الجمعة: "المقاومة باقية.. لن نتهاون ولن نندفع". أي الحفاظ على الحرب الرمادية، ما يعني أن مستقبل الشرق الأوسط غير قابل للحل وسط هذا الصراع!