اتسم التقويم الديبلوماسي المبدئي لما أدلى به نائب الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم حول تفويض الرئيس نبيه بري التفاوض من أجل وقف النار بالإيجابية بحيث يمكن التقاط هذا الموقف والعمل عليه خصوصا إذا تأكد عملانيا وفعليا فصل وقف النار عن وقفها في غزة.
فهذا الإعلان الذي أرفق بديباجة طويلة ضرورية لجمهور الحزب وبيئته في الدرجة الأولى كما للخارج يلبي ضرورة إسرائيلية من أجل حصر المواجهة في غزة وربما أيضا في الضفة الغربية وفصل الجبهات لا سيما الجبهة الشمالية. هذا إذا كانت أهداف الاعتداءات الاسرائيلية على قيادة الحزب وصواريخه ومواقعه تتصل فحسب بحماية الحدود الشمالية وإتاحة المجال أمام عودة المستوطنين الإسرائيليين إلى قراهم وليس تدمير الحزب والقضاء عليه بل فرض أمر واقع أمني جديد في الجنوب اللبناني على نحو يضمن على نحو كلي هذا الهدف الاسرائيلي.
وتفيد بعض المعطيات في هذه النقطة بالذات أن الأمر قد يفتح الباب أمام تعديلات لن تطرأ على طبيعة وجود الحزب في القرى الحدودية والتي تردد في السابق أنه لا يمكن نزع مناصري الحزب من بيئتهم ولو من دون سلاح ظاهر، بل يمكن أن يطرأ أيضا على أداء الدولة اللبنانية واضطلاعها بمسؤوليتها بما في ذلك طبيعة مهام الجيش ومسؤوليته كذلك وصولا إلى دور القوة الدولية في الجنوب بحيث أن القديم قد لا يبقى على قدمه على الإطلاق.
لم تبرز هذه التفاصيل إلى العلن بعد، ولكن لبنان لا يملك اليد العليا في وقف النار ولا الحزب كذلك في هذه المرحلة. وهناك ضرورة للتأكد أولا من أن موقف الحزب لا ينطوي على قطبة ما قياسا إلى الموقف الذي أدلى به وزير الخارجية الإيراني من بيروت ومن مقر الرئيس بري بالذات عن شروط لوقف النار جاء تفويض الحزب لبري ليوفر أحدها.
وهذه الشروط كانت وفق ما صرح الديبلوماسي الإيراني أولا: "مراعاة حقوق الشعب اللبناني. ثانيا: أن تكون مقبولة من قبل المقاومة. ثالثا: أن يكون متزامنا مع وقف النار في غزة".
أثار الديبلوماسي الإيراني غضبا لبنانيا كبيرا على ضوء اشتراطه من لبنان المدمر مواصلة الأخير الحرب مع إسرائيل وهو ذكر في هذا المجال بما كان يطلقه المسؤولون السوريون من لبنان إبان سيطرة سوريا عليه.
عراقجي نفسه وقبيل زيارة للمملكة السعودية قال إن "المشاورات مستمرة لوقف الجرائم وإدانة الكيان، لقد قلنا مرات عدة إن إيران لا تريد الحرب، رغم أننا لا نخشى الحرب، مستعدون لأي سيناريو، وقد تم تحديد جميع الأهداف الضرورية، سياستنا هي وقف الصراعات، والوصول إلى هدنة مقبولة". فعلام تفاوض إيران وهل تساعد الحزب في حصر الأضرار ؟، فالخسائر الجسيمة ملقاة على كاهل الأخير وكذلك توريط لبنان في هذه الحرب فيما أن المرحلة تتطلب وقف الدمار وتمكين لبنان بسرعة من أن يحظى بالخطوات الدستورية والسياسية التي سيقوم بها من استقطاب الدعم العربي والخليجي وكذلك الدولي لدعمه في المستقبل القريب على الأقل. وهذا قد يتطلب منه أكثر بكثير مما حصر تفويض بري به لأن للآخرين شروطهم أيضا، وهم كثر في الداخل الذي سلف الحزب الكثير في الأسابيع الأخيرة وفي الخارج كذلك.
وهناك ثانيا استطلاع للشروط من الحزب في ضوء استبعاد قاسم لسلة متكاملة تفضي سريعا إلى انتخاب رئيس للجمهورية وحكومة فاعلة يتوليان التفاوض على تطبيق القرار 1701. فالمطلوب هو وقف النار فحسب علما أن هذا لا يحصل من دون شروط مقابلة وعلى خلفية أن وقف النار سيتيح للحزب أن يستعيد أنفاسه وتاليا استعادة قدرته على التحكم بالامور في وقت لا يعتقد هو أنه فقدها على رغم الضربات التي أصابته . ومناصروه يهددون على وسائل التواصل الاجتماعي خوفا من استضعافه محذرين من رئيس للجمهورية يستعيد انتخاب بشير الجميل في 1982، في تناقض فاضح بين ما يعتقدون أن الحزب منتصر وما يخافون أنه أصبح عليه من ضعف. فيما أن تحذير قاسم من أي مناقشة أي أمر أي ضمنا رئاسة الجمهورية راهنا يعزز هذه المخاوف ويعزز الرغبة في إبقاء الرئاسة ورقة في يد الحزب كما كانت منذ عامين حتى الآن .
إلا أن السؤال الأساسي الآخر يتصل بما إذا كانت إسرائيل حققت أهدافها حتى الآن وقد أظهرت في استهدافها الحزب الذي تردد على مدى سنة من حرب غزة أنه ليس لقمة سائغة وهو اصعب من ان تقضي عليه اسرائيل فيما لم تستطع ان تقضي على " حماس" كليا وهي أضعف من الحزب بكثير قدرتها على التعويض معنويا لجيشها واستخباراتها بعد فشل عملية 7 تشرين 2023 ام ان لديها اهداف اخرى تتصل بالقضاء على أذرعة إيران وأقواها أي الحزب. وهذا سيكون رهنا بالاتصالات الديبلوماسية الدولية الجارية ولو أنها حتى الآن ليست بأهمية المفاوضات التي انخرطت فيها مصر وقطر إلى جانب الولايات المتحدة من أجل وقف النار في غزة .
وغرق الولايات المتحدة في انتخاباتها المنتظرة في 5 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل يقلل إلى حد كبير من احتمالات بروز تفاهمات يمكن أن تعمل عليه دول غربية أخرى بالنيابة عن واشنطن إذا توافرت الظروف الجدية لذلك . ولكن هذا لا يبدو واضحا في الأفق أقله حتى الآن علما أن طلب الحزب للعمل على وقف النار بدأ كعنصر جديد ومهم لا يمكن تجاهله .