إحدى العاملات الأجنبيات اللاتي تُركن لمصيرهن خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان.
لم تكد تتأكد الأنباء عن اغتيال الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله، حتى شاهدنا الكثيرين من الحاضنة الشعبية للحزب ينفرون إلى وسائل التواصل الاجتماعي ليعبّروا بالصوت والصورة والكلمة عن صدمتهم وغضبهم الشديدين من إيران، إذ يؤمنون بأن نظامها خذل أبا هادي، وتركه فريسة لإسرائيل.
وهؤلاء الناس أنفسهم متيقنون من أنهم قد خُذلوا أيضاً، غالبا من المجتمع الدولي العاجز الذي لم يستطع منذ ذلك الحين منع إسرائيل من اجتياحها الجوي لجنوب لبنان ومناطق أخرى، ما فرض عليهم النزوح، واللجوء إلى المدارس والمعاهد وغيرها لإيوائهم.
وهؤلاء الناس ربما خَذلوا بدورهم، بفتح الخاء هذه المرة.
أعني الخذلان الذي تعرّضت له الخادمات. وآمل مبدئياً ألا يثير هذا المصطلح حفيظة القرّاء الكرام، فلا أعتقد أن تسميتهن بـ"المدبرات المنزليات"، أو "المساعدات"، أو "مهندسات الكنس والجلي"، هو أكثر من استخدام لـ"المساحيق التجميلية اللغوية" للتخفف من وزر أوضاعهن المزرية في وطننا العربي، وحيلة المصطلحات المنمقة لا تنطلي عليّ شخصياً.
مؤسفة هي القصص المعروضة للعشرات، وربما المئات، من الخادمات اللاتي نُبذن وحدهن في البيوت بعدما أخلاها أهلها الفارّون من العدوان الإسرائيلي، ومن دون أدنى اكتراث للعقود الموقّعة بين الطرفين، أو للواجب الإنساني، أو "للعيش والملح" حتى. تركوهن، بعدما تشاركوا معهن أعباء تربية الأبناء والعناية بالمنزل، لمصيرهن المخيف، سواء أكان الموت تحت القصف المسعور، أم الموت جوعاً وعطشاً، أم الموت في العراء، إذ انتهى بهن المطاف في الشوارع.
والموت قد يسلك طرقاً ملتوية أخرى إلى هؤلاء النساء المهاجرات، إلا أنه لن يقل بشاعة وظلماً. فماذا لو تفطّن الاستغلاليون الانتهازيون، خصوصاً المتاجرون بالبشر، إلى أن غالبيتهن يعشن حالياً من دون أوراقهن الثبوتية أو جوازات سفرهن، ما يضاعف من يأسهن وقلة حيلتهن؟
ويبدو أن الخذلان - على شاكلة المصائب - لا يأتي منفرداً. إن مراكز الإيواء، والتي كان من المفترض بها أن تنقذ هؤلاء الخادمات، على الأقل حتى ترجع "المدام" من دبي - كما شكت إحدى الخادمات لعدسات الكاميرا - رفضت استقبالهن لمجرد أنهن أجنبيات.
إنها ظلمات بعضها فوق بعض من الشعور بأن ثمة من كان مخولاً حمايتنا ومساندتنا، فأدار لنا ظهره. ودائماً، ثمة حلقة أضعف تدفعها ظروفها السوسيو-اقتصادية إلى قاع الخذلان وحضيضه، اذ أن خذلان هؤلاء الخادمات قلّما يُنظر إليه أصلاً باعتباره جريمة لا أخلاقية، بينما "يحق" للنازح العربي أن يشنّع على من خذلوا قيادته السياسية، ثم على من خذلوه وعائلته ومجتمعه.
والأدهى والأمرّ بصراحة هو أن هذا الإنكار لحقوق الخادمات في التمتع بالأمن والسلامة، بل وحتى في التمسك بالحياة، يأتي بعد أشهر قليلة من الضجة العالمية غير المسبوقة التي أثارها فيلم "حياة الماعز" الهندي، وبعد جميع ما فتحه من ملفات فاضحة حول إساءة معاملة الخدم والعمالة في وطننا العربي.
ألا بد من جزء ثان من "حياة الماعز" لنتعظ؟