أزراج عمر
في لقائه الإعلامي الذي بثه التلفزيون الوطني الرسمي، تناول الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مجموعة من المحاور ذات الصلة بتنفيذ برنامجه الانتخابي الذي وعد به المواطنين الجزائريين أثناء حملته الانتخابية التي أوصلته إلى سدة الرئاسة للمرة الثانية، وفي مقدمتها تشكيل الحكومة قبل انتهاء السنة الجارية، ثم إجراء حوار وطني "نهاية سنة 2025 أو بداية 2026".
خلال حواره مع مديري هذا اللقاء الدوري ذكّر الرئيس تبّون المواطنين الجزائريين مجدداً أنه ليس تابعاً للأحزاب السياسية التي ساندته خلال حملته الانتخابية، وأكد أنه سيختار الحكومة بنفسه على أساس "أحسن وأكبر الكفاءات" وقد يحافظ على بعض "الوزراء الذين أثبتوا كفاءتهم لمواصلة مهامهم".
في الواقع هناك ملفات أخرى تطرق إليها لقاء الرئيس مع ممثلي الصحافة الوطنية وهي في أغلبها ذات طابع اقتصادي واجتماعي وتعليمي تربوي.
في هذا الخصوص طرح عدد من الخبراء السياسيين الجزائريين هذا السؤال: لماذا أعطى الرئيس تبون في لقائه هذا الأولوية لتشكيل الحكومة وليس للحوار الوطني الجزائري أوّلاً، علماً أن أغلب خطبه وتصريحاته قد بينت أن عهدته الرئاسية الثانية ستركز في الغالب على حل المشكلات ذات الصلة بالجوانب الاقتصادية والمالية والاجتماعية أكثر من التركيز على القضايا ذات الطابع الأيديولوجي، مثل علاقة التنوع الإثني في الجزائر بالهوية والوحدة الوطنية، والحزب بالحكومة، والدولة بالدين وغيرها من المسائل؟
على هذا الأساس وعد الرئيس تبون بإنجاز ركائز ما دعاه بــ"الدولة الناشئة". وفي هذا السياق بالذات يرى عدد من علماء اجتماع التنمية في الجزائر بأن هذا المصطلح هو مرادف لمصطلح "الدولة النامية" التي بإنجاز أسسها الكبرى يفترض أن يتم الانتقال إلى طور بناء رافعات الدولة الحديثة المتطورة مادياً وثقافياً وسياسياً واجتماعياً.
يبدو أن السنوات الخمس المقبلة من عمر العهدة الثانية للرئيس تبون ستكرس لتحقيق الأمن الغذائي للمواطنين، وللتغلب على بقايا أزمة السكن التي ما فتئت تتسبب في تفاقم العنوسة وزهد الشباب في الزواج وتكوين العائلة المستقرة، ومحاربة البطالة التي تساهم سلبياً في خلق شتَى الآفات الاجتماعية بين أوساط الأجيال الجديدة.
في ضوء ما تقدم يعتقد بعض المحللين السياسيين الجزائريين أن إعطاء الأسبقية لتشكيل الحكومة قبل إدارة الحوار الوطني قد يكرر أنماط الحلول المؤقتة التي عرفتها الجزائر منذ الاستقلال حتى نهاية مرحلة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، وذلك لأن الحكومات السابقة قد اكتفت غالباً بتسيير الأزمات سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية، وذلك جراء عدم امتلاك تلك الحكومات لمشروع بناء الدولة الحديثة بمشاركة جميع القوى الوطنية التي يزخر بها المجتمع الجزائري.
وفي الحقيقة، فإن مرحلة الرئيس تبون سوف تستفيد كثيراً إذا قام المسؤولون عن شؤون الدولة في عهده، بمعية الشخصيات الوطنية ذات الخبرة والكفاءة، وأحزاب الموالاة وأحزاب المعارضة وممثلي المنظمات الجماهيرية، والاتحادات والروابط الثقافية والمهنية بإخراج جميع "الملفات" الكبرى التي تم انجازها قبل العشرية الدموية إلى الهواء الطلق ونفخ الحياة فيها مجدداً، ومنها مثلاً ملفات التنمية الاقتصادية والطاقة والإعلام والثقافة والفنون والسكن والتربية والتعليم بمختلف مراحله والفلاحة والزراعة والصناعات الخفيفة والثقيلة والسياسة الخارجية وغيرها من الملفات الجاهزة التي تتضمن الكثير من الخطوط العريضة الإيجابية التي تنتظر التطبيق ميدانياً.
إن هذه الملفات توجد فعلاً في أرشيف كل من اللجان المركزية المتعاقبة لحزب جبهة التحرير الوطني ومكتبه السياسي، ولدى المنتظمات الجماهيرية، والاتحادات والروابط الثقافية والمهنية، والحكومات المتعاقبة، وفي الميثاق الوطني.
من المؤكد أن تنشيط عملية النظر في هذه الملفات التي تنام منذ زمان طويل في غياهب الأدراج سوف يحقق هدفين مهمين، إذ يتمثل الأول في تفادي عادة "الانطلاق من الصفر" وذلك بواسطة إحياء وتفعيل المضامين والمناهج التي تقترحها هذه الملفات، أما الهدف الثاني فيتلخص في إدارة الحوار الوطني حولها لتحيينها وإضافة مستجدات ضرورية أخرى لها، ثم إسناد مهمة تجسيدها إلى حكومة منسجمة يناط بها تجسيد مشروع الدولة المتطورة في إطار جدول زمني تلتزم به كل الجهات.