مع مرور سنة على أحداث 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، وما تبعها من حرب إسرائيلية على قطاع غزة ولبنان، يؤمن المفكر العربي الدبلوماسي المصري الدكتور مصطفى الفقي بحاجة العرب إلى مراجعة جدية لمواقفهم. وإذ رأى أن التصعيد الأخير ضد لبنان يؤشر إلى اقتراب نهاية مرحلة الحرب، اكد أن الأحداث أعادت قضية السلام في المنطقة إلى المربع الأول وتطبيع دول عربية أخرى مع إسرائيل إلى نقطة الصفر. ورهن حل القضية الفلسطينية بظهور جيل فلسطيني جديد قادر على التفاوض وتقديم مبادرات جديدة، بالتزامن مع انتخاب قيادات في إسرائيل والولايات المتحدة تؤمن بالسلام، مراهناً على تغيّرات متراكمة في الرأي العام الدولي تدفع باتجاه السلام.
وإذ هاجم الفقي في حوار مع "النهار" إيران "التي تحارب بدماء العرب من اجل تحقيق مصالحها الاستراتيجية مع الغرب"، وقد "زجت بلبنان في صراع لا علاقة له به، ولن يتحمل تبعاته إذا طال أمده في ظل تداعي وضعه الاقتصادي والمعيشي"، لفت إلى أن جبهة العراق الكامنة يمكن تسخينها في أي وقت، ملاحظاً خروج سوريا من المعادلة وصمتها رغم ما تتلقاه من ضربات.هنا نص الحوار:
*كيف ترى التصعيد الإسرائيلي الأخير وتوجيه دفة الحرب باتجاه لبنان؟
- لبنان مسرح لصراع لا علاقة لشعبه به. لبنان يعيش في وضع صعب والعالم ينظر بقدر كبير من الألم والتعاطف معه لأنه ايقونة للمنطقة. فما ذنب لبنان في ظل ما يعانيه من أوضاع اقتصادية متدهورة وظروف معيشية ملحة، ومع ذلك مطلوب منه أن يتعرض لضربات يومية ولن يستطيع تحمل ما يجري على المدى الطويل. لا يمكن استمرار هذا الوضع.
*ما تقييمك لدور فرنسي تحديداً في إمكان وقف العدوان الإسرائيلي على لبنان؟
- لا لن تستطيع، وأقصى ما يمكن أن تقدمه باريس هو تحجيم الاعتداءات وألا تتوسع لتشمل البلد كله، الأمر يتخطى قدرات دولة أوروبية واحدة على ردع إسرائيل.
*ما تقييمك لرد "حزب الله" وهل تعتقد أن لديه قدرات لم تظهر بعد؟
- "حزب الله" سيسعى إلى التهدئة خلال المرحلة المقبلة، الأيام الاخيرة كانت مؤلمة ودفع الحزب الثمن غالياً، وأقصى ما يمكن أن يحققه أن يحافظ على ما لديه أو ما تبقى من ترسانة سلاح. وعلى "حزب الله" أن يناقش مع ايران الداعمة له اساليب جديدة ذات طابع سياسي في العمل، خصوصاً في ظل أن العمليات الإسرائيلية لتقليم أظافره تجري على قدم وساق، وسط هذا التجاهل الإيراني. كلما تصاعدت التطورات والتصعيد نكون اقتربنا من النهاية. "حزب الله" سيسعى إلى الخروج من الأزمة بأقل الخسائر لأنه لن يستطيع مجابهة التطور التكنولوجي الذي تمتلكه إسرائيل.
*وماذا عن الدور الإيراني؟
-طهران تحارب بدماء العرب والفلسطينيين، جرت التضحية بهم. في ظل رؤية إيران أن مصالحها يمكن أن تتحقق بإمكان توظيف ما جرى لخدمة حوارها مع الغرب بشأن برنامجها النووي. ما يجري في المنطقة ليس صراعاً من أجل حل القضية الفلسطينية وإنما صراع على مناطق النفوذ وخريطة إقليمية جديدة تسمح لإيران بأن تلعب دور شرطي المنطقة الذي تتطلع إليه منذ عقود.
*لكنها ظلت تحرك أذرعها في المنطقة وتدفع باتجاه التصعيد حتى بدأ العدوان الاسرائيلي ضد لبنان يتصاعد؟
-الأوضاع في العراق كامنة لكنها قابلة للتحريك والتسخين في أي وقت، في حين أن سوريا خرجت من المعادلة بذكاء سياسي رغم ما تتلقاه من ضربات اسرائيلية على مدى نحو عقد. الصمت السوري لافت للانتباه، لكن يمكن اعتباره انعكاساً للموقف الإيراني.
*بينما تتصاعد الحرب الإسرائيليلة يبدو النظام العالمي في حال شلل،مجلس الامن والجمعية العامة للأمم المتحدة وحتى المنظمات الإنسانية الدولية هل لايزال لها تأثير؟
-رغم أن التصريحات الدولية خلال اجتماعات مجلس الامن والجمعية العامة محاولة لغسل الأيدي، خصوصاً مع اقتراب الحرب الإسرائيلية على غزة من نهايتها، إلا أن الجمعية العامة للأمم المتحدة منبر دولي، ما تفشل في استصداره عبر مجلس الأمن يمكن أن تحققه ادبياً عبرها، وهي تعد بمثابة مجرد "ترمومتر" يُعبرعن الرأي العام الدولي. فللمرة الأولى نشهد هذا الانقسام في الرأي العام الدولي بشأن احداث غزة وهناك دول أوروبية اتخذت مواقف أكثر جدية وحدة من دول عربية. تراكم التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين التي خرجت في اميركا ودول أوروبية على المدى الطويل سيؤدي إلى يقين لدى العقل الجمعي الدولي بأن بقاء الوقع على ماهو علية خطأ ولابد من الوصول إلى حل للقضية الفلسطينية. وعندما ينفرج الستار عن المسرح بعد انتهاء الحرب ستضح بجلاء الصورة السلبية لما جرى وسنجد مواقف مختلفة. فالفلسطينيون بعد الحرب لن يكونوا هم انفسهم ما قبلها. وحتى تركيبة الحكم المتطرفة في إسرائيل ستشهد تغيراً.
*ماذا عن الدور العربي في هذا الصراع ولجم الحرب؟
-نحتاج إلى مراجعة رشيدة للموقف العربي ككل لأن خسائرنا كبيرة، العرب لا يمتلكون ادوات التغيير على الأرض، وكل من شارك بالاندفاع تجاة دعم ما جرى بعد 7 تشرين الأول مسؤول عن ما جرى. حتى وصل الحال إلى حد البحث عن ممر آمن لقادة "حماس". ماذا عن الدماء التي اهدرت؟ وآلاف الضحايا والجرحى والمنازل التي هُدمت. اسرائيل تبحث طوال الوقت عن أي مبرر لشن حرب وحصلت على هذا المبرر بعد 7 تشرين الأول. نتنياهو ومعه المجموعة الحاكمة في تل أبيب، يسعى إلى استغلال هذه الفرصة إلى اقصى حد ممكن لقطع اذرع ايران في المنطقة وتقليم اظافرها، لاسيما في ظل إنشغال الولايات المتحدة بالانتخابات الرئاسية، وفي مواجهة شعب فلسطيني حاول أن ينتصر لحقوقة لكن قيادته قفزت على الواقع.
*اذن، متى تتوقف عجلة الحرب سواء في غزة ام في لبنان ؟
-عند الوصول إلى نقطة يقتنع فيها كل طرف أنه لن يستطيع أن يحقق أكثر مما حقق. والطرف الاسرائيلي بدأ يقتنع بهذا وهذا ما نلاحظه من الانقسام داخل الجيش الإسرائيلي وقيادته. واذا استطاع الجانب المدعوم ايرانياً أن يوجه ضربات موجعة إلى اسرائيل، سيكون لها تأثير ضاغط للتعجيل بوقف الحرب. فعلى المستوى العملياتي هناك اخفاقات اسرائيلية اذا زادت وبدأ اقتصادها يهتز أكثر سيكون لهذا تبعات في مراجعة السياسات.
*لكن الملاحظ أن الشارع الإسرائيلي يدعم استمرار الحرب؟
-التشدد في الشارع الإسرائيلي يأتي على خلفية قضية الرهائن، وموضوع سكان الشمال الإسرائيلي وهي ورقة يلعب بها نتنياهو لاستمرار الحرب. أعتقد أن هذه القضية ستُحسم خلال اسابيع، واشك في بقاء معظم الرهائن احياء طيلة هذه الفترة.
*بعد هذا التصعيد هل لا تزال هناك بارقة أمل في حل القضية الفلسطينية ونهاية لمعاناة لبنان؟
- العرب لديهم أوراق عدة لاسيما ورقة التطبيع العربي مع إسرائيل، لا شك في أن الخسائر طالت قضية السلام في المنطقة والتي عادت إلى المربع الأول وتحتاج إلى وقت طويل لترميمها، وموضوع تطبيع دول عربية اخرى العلاقات مع إسرائيل الذي عاد إلى نقطة الصفر نظرا الى ما حدث والترميم غالبا اصعب من البناء.. عدنا إلى وضع الصراع العربي - الإسرائيلي بعد فترة ساد فيها مفهوم التعايش العربي - الإسرائيلي. مفهوم التعايش المشترك انتكس واصبح بعيداً. المواقف المصرية والسعودية تجاة الاحداث رسالة إلى نتنياهو بأن ما جرى في غزة لن يُغير الواقع بل سيؤدي إلى تشبث أكبر بالثوابت. الاحداث رسخت فقدان الثقة بإسرائيل وتوحشها. مع شعور واسع بالتجاهل الغربي وانحيازه. لابد من تغيير ابعاد المعادلة ودخول اطراف جديدة في الولايات المتحدة وإسرائيل تؤمن بالحاجة الملحة للسلام، مع ظهور جيل فلسطيني جديد يقبل بالتفاوض بشكل مختلف ويقدم مبادرات يمكن أن تقبلها تل أبيب.
*وماذا عن التعويل على الدور الأميركي في القضية الفلسطينية وبالتالي مأساة لبنان بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية؟
- نلاحظ أن هيبة واشنطن تقلصت خلال السنوات الماضية، وقدرتها على ممارسة الضغوط على إسرائيل تلاشت، قوة نفوذ الولايات المتحدة على اسرائيل لم تعد مثل السابق ناهيك بضعف الوضع العربي وتشرذمه، فالدول العربية ليست بالقوة لكي تتحدث عن عمل مشترك. الوضع بات معقد جداً. فبعد انتهاء الحرب سنظل لسنوات نتحدث عن اغاثة النازحين وإعادة اعمار قطاع غزة الذي حرصت اسرائيل على أن تجعل حجم دماره غير قابل للانتشال في وقت قصير. ما لم تغير الولايات المتحدة سياستها المنحازة وتضغط بشدة على إسرائيل فلا أمل في المستقبل.