النهار

تشرين... من نحن ولماذا فشلنا؟
واجب علينا بعد خمس سنوات إجراء تقييم ونقد ذاتي لتوضيح ماهية هذه الثورة وأسباب فشلها، سنقوم بتقسيم هذا التحليل إلى خمس مراحل متتابعة:
A+   A-

 الدكتور سمير حسن عاكوم

انطلقت 17 تشرين 2019 كانتفاضة رد فعل من معظم الشعب اللبناني على مؤشرات سقوط دولته، من الامتناع عن شراء سندات الخزينة 2014، تهريب الأموال إلى الخارج 2016، عوارض فقدان السيطرة على الإدارة والقرار السياسي والتي ظهرت عوارضها مع حرائق صيف 2019 وأزمة الكهرباء و...، ليكون رفع الضرائب على البنزين والأنترنت شرارة نزول الملايين إلى الشارع بشعارات "كلن يعني كلن" في محاولة عفويّة لفرض "كيانيّة لبنانيّة مغيّبَة" عن المشهد السياسي اللبناني لصالح سلطة محاصصة الميليشيات المستبدة. 
واجب علينا بعد خمس سنوات إجراء تقييم ونقد ذاتي لتوضيح ماهية هذه الثورة وأسباب فشلها، سنقوم بتقسيم هذا التحليل إلى خمس مراحل متتابعة:
الأولى، نقطة التحول في موقف أمين عام حزب الله في 25 ت1 2019 عندما دعا أنصاره لإخلاء الساحات، ليفتح هذا الإخلاء فتح باب رفع شعارات "شيعة شيعة شيعة" لمساندة المكون الشيعي المسيطر على سلطة المحاصصة، تَبِعها استقالة الرئيس سعد الحريري في 30 تشرين 2019 والدعوة الخاطئة لإعطاء مهلة تسمح للسطة بتشكيل حكومة قبل اسقاط كل المكونات، وهو ما اعتبره مناصرو المستقبل استهدافاً لشخص سعد الحريري وليس لكامل مكونات السلطة، انتهت المرحلة الأولى بحرق خيمة "الملتقى" للتوعيّة الفكريّة في اللعازاريّة من قوى يساريّة بحجة ندوة دعت إلى حياد لبنان وبالتالي التطبيع!! لتتحول التحركات بعدها إلى مجموعات مختلفة في الرؤية والخلفيّة والأجندة بعضها باتجاه القضاء المستقل، وأُخرى من قوى يساريّة باتجاه المصرف المركزي وباقي المصارف... هذا ما سمح باستعادة السلطة توازنها وقوتها وفتح باب تهريب الأموال وسرقة أموال المودعين من المصارف والسقوط المالي والاقتصادي المتتابع.
المرحلة الثانيّة ما بعد انفجار 4 آب 2020 لمرفأ بيروت، تلت الاحتجاجات كارثة تدمير ثلث العاصمة وقتل وجرح الآلاف والتهجير والتي تعاملت معها السلطة بقسوة شديدة تسببت بعشرات الجرحى واقتلاع عيون المحتجين و... لتنتهي هذه المرحلة بجرعة تمديد العمر التي أعطاها الرئيس ماكرون للسلطة في زيارته لبنان نهاية آب 2020، ولتتابع التحركات باتجاه الوزارات بوتيرة مختلفة.
المرحلة الثالثة محاولة إعادة احياء الثورة وتجميع اللبنانيين من مختلف المناطق حول عنوان "استعادة وطن وبناء دولة" وفق خارطة الطائف والدستور، تحت عنوان "قطار الثورة" التي قام بها فريق "حماة الدستور" وغيره في مختلف المناطق اللبنانيّة، ساهم في وأد الفتنة في عروس الثورة طرابلس واطلاق "قَسَم الثورة الجامعة" من قلعة راشيا، وحاول استقطاب الإعلام في تحركات بيروت وغيرها ولكنه فشل في تحويل هذه الفكرة إلى مرحلة الإستقطاب والدفع الشعبي لتنتهي هذه المرحلة بالدخول إلى المرحلة الرابعة وهي مرحلة الانتخابات النيابيّة التي لعبت فيها منصات ماليّة الدور الأهم لأخذ عنوان الثورة إلى مكان الجمعيات، أدخلت عدداً قليلاً من النواب إلى المجلس لكل منهم توجهه وإيديولوجيته وجمعيته الخدماتيّة وآراؤه الخاصة يستحيل من خلالها تجميع المكونات في نواة صلبة واحدة تسمح بالتعامل مع مشروع التحرر من سلطة محاصصة ميليشيات المال والسلاح واستعادة بنيّة الدولة الدستوريّة والتي انتهت مع حرب لبنان الحاليّة وانتقالنا إلى مرحلة صراع وجود حقيقي يهدد مصير بلدنا ووطننا.
في المحصلة نقول إن ما أفشل 17 تشرين هو تراكمات فرديّة العمل المتحكمة باللبنانيين، تمنعهم عن رؤية بناء دولة المؤسسات الدستورية الطبيعيّة، غياب نواة صلبة لقيادة مشروع الاستثمار في غنى التنوع الطائفي والثقافي وغيره، لتكون الدولة هي اللاعب الأساسي في معادلة إخراج لبنان من "ملعب فيلة" لا حول لنا فيه ولا قوة نشاهد أسوأ مشاهده في الحرب الحالية. 

اقرأ في النهار Premium