النهار

أتركونا نعيش بسلام... هذا جلَّ ما نريده!
المصدر: النهار
أتركونا نعيش بسلام... هذا جلَّ ما نريده!
في كلّ مرّة ننفض الغبار عن أكتافنا، نحزم ما تبقّى لنا من أمل، نكاد ندّعي الوقوف بعزم وثبات، لنعود ونرزح تحت ثقل ضربة أخرى
A+   A-

د. جويل رمزي فضّول

في كلّ مرّة ننفض الغبار عن أكتافنا، نحزم ما تبقّى لنا من أمل، نكاد ندّعي الوقوف بعزم وثبات، لنعود ونرزح تحت ثقل ضربة أخرى. حياتنا في لبنان تحوّلت إلى نمط عيش يستحيل على المرء تحمّله، نقاوم الأزمة تلو الأخرى، نموت في اليوم ألف مرّة ومرّة، ونحن ما زلنا نتأمّل بغد أفضل، نردّد وإن بصوت خافت "ستنجلي هذه الأيّام وستشرق الشّمس من جديد". وأيّ إشراقة هي هذه؟ أيّ شمس أساساً هي هذه، فما إن تُرسل أشعّتها حتّى يُطفئها ظلام كلّ من يعبث بنا، وبأرضنا، وبمصيرنا. أكثيرٌ علينا أن نعيش بسلام؟ أكثيرٌ علينا أن نطلب منكم أن تعيدوا إلينا السّلام، أيّ طرف كان، أيّ مسؤول كان... 
بتنا نصحو ونتأمّل أن يمرّ النّهار على خير، فقط لا غير، من دون أن نرسم مستقبلًا لحياتنا، من دون أن نخطّط لمشاريعنا، هكذا أضحت حياتنا، تعداد أيّام وساعات، لأنّ أبسط الحقوق الإنسانيّة تحوّلت إلى أحلام وأمنيات هزليّة. 
واليوم، اليوم تحديداً بتنا نخاف من الهدوء لأنّنا نعلم أنّ هناك ضربة ما تنتظرنا.
اعتدنا أصوات الطّائرات الحربيّة والاستطلاعيّة وندّعي أنّنا نكمل حياتنا بطريقة "شبه طبيعيّة"، وتحوّلنا إلى محترفين بأنواع الأصوات لدرجة أنّنا نُميّز الغارة من جدار الصّوت، أصبحنا نخشى أن نقول أنّنا لسنا بخير لأنّ هناك من شرّدته الحرب نفسيّاً واجتماعيّاً، وهناك من خسر حياته أو عائلته أو منزله، فكيف لنا أن نقول لسنا بخير؟ أرأيتم نحن نخشى أن نقول أنّنا لسنا بخير، لكن فعلًا نحن لسنا بخير! أيّ جنون هو هذا؟ أيّ عدل هو هذا؟ نعيش ما يُشبه "الانفصام" داخليّاً نتخبّط وأفكارنا، يجتاحنا قلق مُرعب، قلق على أقربائنا وأحبابنا، على مصيرنا ومستقبلنا، ولكن خارجيّاً الوضع مختلف، وكأنّنا مُخدّرون، "مُبنّجون"، وكأنّ الدّنيا ما زالت بألف خير! 
ولدنا في الحرب، وشهدنا خلال أقلّ من نصف قرن على كلّ أنواع الأزمات والحروب، من دون أيّ استثناء، من دون أن نترك أزمة واحدة تعتب علينا، وما زلنا نكافح، نواجه، نحارب، ولكن إلى متى؟  
إلى متى سنبقى ألعوبة تعبث بها أيادٍ لا تعرف طعم الرّحمة، إلى متى؟
باللّه عليكم، نُريدُ أمراً واحداً فقط لا غير،
باللّه عليكم، أتركونا نعيش بسلام... فهذا جلّ ما نريده!

اقرأ في النهار Premium