الخُلاصَة: "القراءة والكتابة تُبدِّلان شكلَ أدمِغَتِنا"[ القَول ل"هوسْتفيدِت"].
الاب ايلي قنبر
1. في مشهدٍ يعبِّر عن حالنا الراهنة ظهَر رجُلٌ (لوقا 39-27:8) يومًا أمأم يسوع، هذا توصيفُ حالته: "لَم يَكُن يَلبَسُ ثَوبًا، وَلا يَأوي إِلى بَيتٍ، بَل إِلى ٱلقُبور ... وكانَ يُربَطُ بِسَلاسِلَ وَقُيودٍ وَيُحرَسُ، فَيَقطَعُ ٱلرُّبُطَ وَيَسوقُهُ ٱلشَّيطانُ إِلى ٱلبَراري". وراح يصرخ بصوتٍ عظيم:"ما لي وَلَكَ يا يَسوعُ[ راجع: لوقا 4: 16-22 أو رسالة يسوع التحريريّة.] ٱبنَ ٱللهِ ٱلعَليّ؟ أَطلُبُ إِلَيكَ أَلاَّ تُعذِّبَني!".
الرجُل بِلا اسمٍ، لا كَيان له في المُجتمع مِثل الأكثريّة الصامتة في "القريَة الكَونيّة". كان قد عُرِّيَ[ في حين أنّ المسيح قد البسَنا ثوب أولاد الله، ثَوب العُرس.غل 3:27 "المسيح قد لبستم".] من إنسانيّته، إذ أُبعِد عن بيته وعن مُجتمعه، فوُجِد ميِّتًا بين الأموات. وقد رُبِط بالسلاسل للتأكُّد من عدم إفلاته من الموت ووُضِع له حرَس. وإن أُتيح له التحرُّك فإلى الصحراء حيث وُحوش البرِّيَّة.كان بلا صوت. وكان يصرخ: فَسَأَلَهُ يَسوعُ: «ما ٱسمُكَ؟» فَقال: «جَوقَة». لقد صدَر عنه صوتٌ غير مفهوم، لا يُلزِمه لأنّه مَسكونٌ بقوّة غاشمة تُسيطر على وَحدانيّة[ هنا، نجد أنّ الفرد ليس سيّد نفسه، وغير قادر أن يتكلّم ككائن بشريّ حُرّ.] شخصِه. أمّا التعبير"جوقة" أو "لِجْيُون"[ هي فرقة من الجيش الرومانيّ المُحتلَ، عديدها 600 جندي.] في الأصل، فيُشير إلى المُحتلّ الرومانيّ الذي يجب التخلُّص منه. الصراع بين يسوع و"الحوقة" يُظهِر غلبَة المسيح صاحب الإرادة الخلاصيّة التحريريّة لجميع البشر ولا سيَّما الأصاغر والمُستَضعَفين (لوقا 4: 16-22). أمّا هرب الخنازير من "الجوقة" قيَدُلّ على انّ هذه تُفقِد الطبيعة بُوصَلَتها، وتُعذِّبها. وهي تُعاكس الطبيعة وتقود إلى الموت. وهرَبُ الجِرجسيّين من يسوع يعني أنّهم لا يُريدون أن يتعذّبوا (يوحنّا 1: 11). و"يمثِّل القطيع[ Le troupeau de pourceaux nous présente, je n’en doute pas, le progrès violent et aveugle d’Israël vers la destruction après le rejet du Seigneur- https://www.bibleenligne.com
] التقدّم العنيف والأعمى لإسرائيل نحو الخراب بعد رفض يالربّ"، على حدّ قَولَة أحد الرهبان. لقد اعتاد العالم على سلطان الشرِّير -مهما طال أمَده أحيانًا- لا على سلطان الله. في ما الرجلُ المُحرَّر أراد البقاء مع يسوع، الذي "أرسَلَهُ" ليُحدّث الناس بما صنعه الله إليه.
2. في حالتنا اللُّبنانيّة، يجب التحرُّر من مُحتلِّي أمخاخِنا وحياتنا اليوميّة ومؤسَّساتنا الدَوْلتيّة وشريحةٍ من ناسنا (لوقا 4: 16-22). وعِبر العالم، المُحتلّ هو واحد منذ أواخر القرن التاسع عشَر تحديدًا: الصَهيُونيّة العُنصُريّة، عبر "الدولة العميقة" لها في الولايات المتّحدة. أدواتُها أُناسٌ تأخذهم دُروًعًا بشريّة وتستغلُّهم من حيث يدرون أو لَا. إلى جانب السلاح الأمضى: الإعلام و السوشِيل مِيديا. هذا الإعلام -المُمتلݶ كَذِبًا ووَهمًا وطمعًا وبُغضًا وكراهيّة وتخويفًا وخَوفًا- مُؤْثِرً جدًّا بغَسلِه للأدمغة وتوسُّلِها لضرب الناس الذين يختلفون معها -الذين، بحسَب العقيدة التَلموديّة، تراهُم أعداءَ بالمُطلَق. كيف نُواجه؟ "أَحبُّوا اعداءكم" على قَولَة يسوع، والسَعي إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينهم إذا هُم أرادوا، وإلى عَيشٍ مُشترَك قائم على الحبّ والأُخوَة والتكافل والتضامن.
الرجُل أعلاه هو الأكثريّة الصامتة التي عُرِّيَت أيضًا من إنسانيّتها، ولا مأوى آمِن لها في عالمٍ مُتوحِّش .. حتّى ولا في القبُور. أكثريّة مربوطة بسلاسِلَ مُحكَمة لا يُمكن التملُّص منها، تحت المُراقَبة24/24، تُسَيِّرها عن بُعد قِوى ظاهرة-خفيّة. أكثريّة فقدَت إرادتها وحُرِّيَّتها وقرارها، وبِذا لا تُحاوِل أن تقطع رُبُطَها لتكون سيّدة نفسها. لقد اعتادَت العبوديّة وتأبى مُغادَرة الكهف[ راجع أفلاطون وأهل الكهف.] الذي تَفرِضه "الجوقة" عليها أو البراري التي تَسُوقها إليها . وإن أتى مَن يُحرِّره، يخاف ويتعذَّب ويدخل في صراعٍ مع ذاته، ويصرخ: لا، لا. أُتركني وشأني. أنا مُرتاح حيث أنا، "وأطلب إليك ألَّا تُعذِّبَني": نعم، "سَأَلَهُ جَميعُ جُمهورِ بُقعَةِ ٱلغَدَريّينَ أَن يَنصرِفَ عَنهُم، لِأَنَّهُ ٱستَحوَذَ عَلَيهِم خَوفٌ عَظيم". مِمَّ؟ "فَخَرَجوا لِيَرَوا ما حَدَث. وَأَتَوا إِلى يَسوعَ فَوَجَدوا ٱلإِنسانَ ٱلَّذي خَرَجَت مِنهُ ٱلشَّياطينُ جالِسًا عِندَ قدَمَي يَسوعَ، لابِسًا صَحيحَ ٱلعَقل، فَخافوا". لقد ٱستَحوَذَ عَلَيهِم خَوفٌ عظيمٌ من امرِݶٍ حُرِّ عاقلٍ قادرٍ أن يُميِّز الحقّ من الضلال-الذي يعيشه أهل مَوطِنه، و"آثَروا الظلمةَ على النور"(يوحنّا 3: 19)، فَسَأَلَوا يسوع أَن يَنصرِفَ عَنهُم. "أَمّا هُوَ فَرَكِبَ ٱلسَّفينَةَ وَرَجَع". يُفضِّلون العَيش في القَعر لا في النُّور. بينَما الرجُل الذي قام من بين الأموات رجَع إلى بيته، إلى عائلته وإلى مُجتمعه-الذي كان مُجحِفًا بحقِّه لِرَدحٍ من الزمن- حامِلًا رسالةً تتَناوَل "ما صنَع اللهُ إليه" من خلال يسوع الناصريّ.
3. لقد حصَل لعددٍ من الناس أن قرأوا كتاب حياتهم، فعَرفوا ذواتهم، ووَجدوا أنفسهم. وصار سهلًا عليهم مُلاقاة الآخَرين. كيف؟ يقول أنطونيو باسانتا إن "لطالما كانت القراءة ارتحالًا، سَفَرًا، رحيلًا في سَبيل العثور على الذات". القراءة تأخذنا إلى عوالم جديدة، في رحلةِ تفتيشٍ عن الذات، الأغلى في حياتنا.
أمّا إن "دامَ الكتاب مُقفَلًا، فإنّه لا يَعدو أن يكون نُوتَة مُوسيقيّة خَرساء من الحُروف. فَما مِن قِصّة أو صَفحة تَختلِج ما لم تُداعِبُها عَينَا قارئ، لأنّها في حاجةٍ إلى مُترجِمين يَضرِبون أوتارَها، ويَهمِسون بأناشِيدها، ويُشكِّلون ألحَانها على إيقاع ذِكرياتِهم، حتّى تَدُبَّ فيها الحَياة"، يُسجِّل إيريني بايِيخُو. ويُضيف: "تقتَضي القراءةُ أن يُؤمِن القارئُ بالقِصّة، وأن يَخلقَها أيضًا". على"أن يتَعاوَن الكاتب والقارئ؛ إنّه التَخيِيل والمُسامَرة".
الكتابُ إناءٌ يستقرُّ فيه الزمن، قبلَ كل شيء ، فكَيف يكون الأمر إذا كان كتاب حياتنا بالذات؟!"
الخُلاصَة: "القراءة والكتابة تُبدِّلان شكلَ أدمِغَتِنا"[ القَول ل"هوسْتفيدِت"].