تكتظُّ المدينة بضحايا الحرب
صفا قدّور
تكتظُّ المدينة بضحايا الحرب، حتّى الجلّاد يصطدم بزحمة ضحاياه، وقلمٌ يقع على الأرض جرّاء اهتزاز عنيف، ويفترق عن الورقة التي تنتظر بوْحه الأخير، ليلٌ يحرمه الألم من النوم، ويتعب من سرد الحكايات لسكّانه الذين أيضًا لم يستطيعوا النوم، وحتّى الصباح لم يحتج لِدِيَكَة لِتُصَحّيَه، فالليل ثرثر كثيرًا وسلب بهجته المعتادة، المدينة جائعة، تنتظر كسرة خبزٍ لِتملأ معدتها، وفي الأرض الأخرى أطنان الخبز المعفّن تُرمى في حاويات القمامة، وأيّ عدل؟، يُعدمُ الصنبور ويُقطع رأسه بحثًا عن قطرةِ ماء لِتَبلَّ ثغر الرضيع، يقول المشهد أيضًا، إنَّ السماء ثُقبت بفيْضِ الأرواح العارجة إلى السماء هاربة، والغيوم حُبست في جغرافيتها وأُغلِقَت عنها الحدود، هي زنبقة على حافة ذلك الحوْش، ترفع يديْها إلى السماء وتستغيث ليرووا ظمأها لكن دون مغيث، الشباك يتعب من الروْح والمجيء محاولًا كسب الرهان أمام أمّ خلفه تنتظر عودة ابنها، يمرّ الوقت ويجيء الولد على نعشٍ مرصّع بالشهادة، وتحلّ اللعنة على الشبّاك الذي يخسر رهان الخبر السعيد، حبل الغسيل يملّ من انتظار ضيوف يقضون معه جلسة مؤنسة، والملابس هربت بمن فيها، محلّ الحلوى فقدَ بهجته، فلا أولاد يتردّدون إليه، هم وهو ضحايا، حتّى الحرب هي ضحيّة، الكل يُوجّه أصابع الاتّهام لها، وهي عاجزة عن التبرير، المسدّس في رأسها، تفعل ما يُمْليه عليها، مجبرة على إطفاء النور في عين اليتيم، وسرقة كسرة الشبع من فمّ الجائع، وإغراق الأرض بالدماء، والسماء بالأرواح، والأخبار التي وصلتنا هي أيضًا ضحيّة، تزورنا مبتورة الجناح مقارنة بهوْل النوائب، وتبقى الحرب مجرّد كلمة، حتّى يزورها الجلّاد ويعطيها المعنى، أوقفوا الحروب أوقفوها باسم إيمانكم باسم ضمائركم أو أقلّه باسم ما تدّعون من شرائعكم، أوقفوها لأجل طفلة تنتظر خاتمة قصّة المساء، لأجل أب، عائدٍ إلى منزله، مُحمّلٍ بأمنيات الأطفال، أوقفوها كي ينضج الحساء، وتجتمع حول بركته العائلة، وكي لا ينام البيت في العراء، وكي ينام الليل بسلام، أوقفوا الحروب ليتزيّن الحيّ ببهجة الصباح، ويطير الأطفال بخفّة البراءة، وينضج البن في جلسة الأحباب، وتتدلّل الورود بين يديّ ستّ الدار، أوقفوها من أجل كلمة "أُحِبُّكِ" خاطها ابن الجيران على مقاس قلب محبوبته، من أجل كتاب ينتظر من يقرؤه، وقصيدة تنتظر لمّ شملها، أوقفوها، لتطير العصافير في دروب السلام، ويسرح الغمام دون حدود، ليهدأ الذكر في تكايا المتّقين ليطيب الجرح ويستكين لنحترم حرمة المىوت الصامت وفرصة لنُقدّس الحياة أكثر، باسم إيمانكم، باسم شرائعكم، باسم ضمائركم، أوقفوها من أجلنا وأجلكم، ومن أجل ما تبقّى من إنسانيّتكم،