لسنا بحاجة لوصاية من أحد
عمّار الحيدري
إن التدخلات الخارجية، إيرانية كانت أم أميركية، سعودية كانت أم فرنسية، فإنها تدخلات بشؤوننا الداخلية الوطنية التي تخصنا حصراً كلبنانيين، وتشخيصها كضرر قد يوازي الاعتداء الغاشم الصهيوني.
لسنا بحاجة لوصاية من أحد، فبعد تجاربنا المريرة في الحرب الأهلية والحروب الخارجية والداخلية والمحن والأزمات التي عبثت بنا من جراء أجندات خارجية تكفلت بأدائها أطراف داخلية لها مصالح معينة مع دول خارجية، فإننا نعتبرها أيضاً مؤامرة على باقي اللبنانيين وقد ترتقي إلى مستوى الخيانة العظمى لتفضيل مصالحهم الخاصة على مصلحة البلاد والعباد.
(يؤدي نهج الدولة اللبنانية في رسم السياسات، الذي يتسم بالانقسام الطائفي، غياب الرؤية الاستراتيجية، وهشاشة في تحديد مكامن الخلل)، إلى إفساح المجال أمام الجهات الخارجية المختلفة، منها الحكومات والمؤسسات الدولية، للتدخل في شؤون البلاد، وصياغة الأولويات.
يطال التدخل الخارجي، كافة الأوجه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومنها طبيعة الدولة، الأوضاع السياسية الداخلية، واقع النزوح، وغيرها من القضايا الحيوية. ففي ما يتعلق بطبيعة النظام اللبناني، حمّل البنك الدولي، في تشخيصه المنهجي للبنان، نظام الطائفية السياسية في لبنان، مسؤولية الشلل في عملية أخذ القرار وصناعة السياسات، معتبراً ان ذلك النظام شكل الوسيلة الأقوى لتعريض البلد للتدخلّات الخارجية.
وقد طالت التدخلات أيضاً القضايا السياسية الداخلية، إذ نبهت مجموعة الدعم الدولية، من تداعيات "الفراغ الرئاسي الذي يساهم في تقويض قدرة لبنان على التصدي للتحديات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها البلد"، مطالبة القيادات اللبنانية بالالتزام بالدستور، تنفيذ القرار1701، الاستمرار بسياسة النأي بالنفس تجاه الأزمات الإقليمية.
وتحت حجة دعم لبنان، أشار البنك الدولي في تقريره المنهجي إلى أن الطائفية، هي أحد الأسباب، التي أدت إلى انهيار قطاع الكهرباء، ليؤكد بعدها على ضرورة إشراك المؤسسات الخاصة في إدارة المرافق العامة في لبنان، من خلال الخصخصة التي لطالما اعتبرها البنك الحل الوحيد لإنقاذ البلاد. كذلك، أبلغ البنك الدولي، الحكومة اللبنانية مؤخراً، أنه، في ظل تعطيل التشريع، لن يلتزم بمشاريع تنموية جديدة للبنان.
ومن تجاوزات الهيئات الدولية، تدخلها في ملف النزوح في لبنان، كتصريح المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، إرثارين كازين، حيث شددت على ضرورة العمل على توظيف السوريين/ات في لبنان، وذلك من دون مشاورة المرجعيات اللبنانية المعنية.
وحول الاقتصاد، لفت فريق من البنك الدولي يترأسه مدير شؤون التشغيل في البنك، نايجل توز، أن الاقتصاد اللبناني يعاني "خليطاً ساماً" من المشاكل الهيكلية وضعف النمو و"عدم الاهتمام بخلق الوظائف"، مضيفاً أن "الأثرياء (أصحاب السلطة) بخير، لكن البقية (الغالبية) ليست كذلك".
بالطبع ما سبق ليس إلا غيض من فيض، إذ إن مصدر تلك التدخلات الخارجية لا يقتصر على الجهتين المشار إليهما، بل يشمل أيضاً الاتحاد الأوروبي والكثير من الحكومات الغربية والعربية ذات النفوذ في لبنان، لكن الحديث عن ذلك يطول، مكتفين الآن بما أشرنا إليه في ما سبق.
إزاء هذا الواقع الذي يشير إلى تحولات خطيرة، سياسية وغير سياسية تحيط بلبنان، نجد أنّ هذا البلد الصغير يعجز صنّاع القرار فيه عن صياغة سياسة خارجية تتعامل أو تحدد أنواع المخاطر والتحديات والفرص في البيئة الخارجية المحيطة به، أو مكامن القوة والضعف في بيئته الداخلية. فمن الصعب تصور دولة مهما صغر أو كبر حجمها أن تسير بلا سياسة خارجية في خضم التحولات المهمة على صعيد العلاقات الدولية.
صحيح أنّ الجيوبولتيك اللبناني يجذب كل أنواع التدخلات الخارجية، بسبب موقعه وانكشافه السياسي والاجتماعي، بفعل التركيبة المجتمعية ذات البنية الطائفية والتعددية، ما يفتح الباب أمام جعل لبنان ساحة لتصفية الحسابات والخلافات العربية العربية، فضلاً عن تلك غير العربية، الأمر الذي خلق نوعاً من القدرية السياسية للبحث عن الخارج لإيجاد حلول للداخل، إلا أنّ هذا الواقع يحتّم على لبنان التصدي له وعدم الركون إليه، خصوصاً في ما يتعلق بالشأن الخارجي والعلاقات الدولية التي تقوم واقعياً على لعبة المصالح حصراً.
وقد بات من المسلّم به أنّ الانقسام اللبناني حيال الأزمات الإقليمية والدولية هو نتاج غياب رؤية وطنية شاملة مرتكزة على سياسة خارجية تعكس المصالح اللبنانية وتدافع عنها، بعيداً عن كل انحياز إلى طرف ضد آخر. إنّ أبسط تعريف للسياسة الخارجية يقول إنها برنامح عمل الغاية منه تحقيق أفضل الظروف الممكنة للدولة بالطرق السلمية والدبلوماسية.
وعليه فإنّ لبنان مطالب برسم سياسة خارجية تعكس إمكانياته، وتتعامل مع ملف العدوان الغاشم من جهة وكذلك ملفات داخلية كملف النازحين السوريين، وملف النفط والغاز، وترسيم الحدود جنوباً، شرقاً وشمالاً، فسياستنا الخارجية يجب أن تقول للعالم أجمع: إنّ لبنان وطن نهائي، بجغرافيته المستقلة منذ الأزل.
هذا هو المطلوب، أن نضع النقاط على الحروف كي لا يبقى لبنان السيد الحر المستقل، تفصيلاً من التفاصيل المهملة في لعبة المصالح الخارجية.