كم أحتاج لمن يكون صديقاً لروحي، يفهم اللغة التي تتردد في أعماقي ويحضن مشاعري براحة فؤاده ثم يهمس في أذني: أنا أنت.
ريمون مرهج
كم أحتاج لمن يكون صديقاً لروحي، يفهم اللغة التي تتردد في أعماقي ويحضن مشاعري براحة فؤاده ثم يهمس في أذني: أنا أنت.
في الوقت الذي يضج فيه العالم بالضوضاء والفوضى بالأمور الفانية ويتخبّط ويتسابق على الغايات المادية ويضع أمامه أهداف رخيصة كالشهوات والمظاهر وحب التملك، في خضم تلك الأحداث أرحل بعيداً نحو ذاتي طالباً السكينة، ألتجئ إلى مهد روحي أتأمل كياني الجالس على صخرة شاطئ الحياة فأتربّع بقربه وأنظر إلى الأفق البعيد علني ألمح مركب صديق آتيا نحوي، علني أشعر بنسيم يشبه آهات روحي فأتنهد مطولاً وأتنفس الصعداء بعدما اعتقدت أنني سأبقى وحيداً.
أعلم أن هذا التمني لن يحصل فأنا الغريب عن هذا العالم، لغتي ليست لغتهم وأفكاري لا تتقاطع مع أفكارهم، مشاعري غريبة عنهم ولا يفقهون منها شيئاً. أنا الغريب ولكن إن اقتربت أكثر نحو أعماقهم سيصدمون من أسلوبي الفكري وصدق مشاعري العابقة بالشغف للحياة، بالمحبة، بالإيمان بالسماء وبأهمية الوجود في هذه الأرض، بقيمة الروح وجمال أعماق القلوب.
لم أيأس منذ صغري عن البحث والمحاولات ولكن اليوم تهمس لي روحي أنها تعبت وأُنهكت وكم تود الرقاد تحت شجرة السنديان الطاهر والقاهر لكل عواصف الأقدار، فتلف روحي بظلالها وتنصت النفس إلى السكينة المقدسة "رفيقتها الدائمة" واستطردت قائلة: "دعني أرتاح من حرب عشتها لسنين طويلة، أتركني أتنفس الراحة قليلاً وألمس رياح الأمان، دعني أذرف الدموع الخانقة التي حبست صوتي في الأعماق وجعلتني أتحمل الألم والوجع بصمت قاس طويل. إبق كما ولدت غريب عن هذا العالم وأدر ظهرك له وأكمل مسير العمر دون أن تنظر إلى أحد، دون أن تحاول التحدث مع أحد، فأنت الغريب ولن يفقهوا لك ولن يفهموا لغتك، أنت البعيد كلّ البعد عن عالمهم. يا سيدي الغريب تطلّع نحو السماء، نحو الأفق وهناك خلف تلك المسافات موطنك، وستعود يوماً إلى موطنك الحقيقي وتحيا بسلام.