النهار

"فبَيننا وبينكم هُوّةٌ عظيمة قد أُثبِتَت"
المصدر: النهار
"فبَيننا وبينكم هُوّةٌ عظيمة قد أُثبِتَت"
."قتَل العداوة في نفسه... لِيَخلُقَ ٱلِٱثنَينِ في نَفسِهِ إِنسانًا واحِدًا جَديدًا"
A+   A-
الاب ايلي فنبر 

1."قتَل العداوة في نفسه... لِيَخلُقَ ٱلِٱثنَينِ في نَفسِهِ إِنسانًا واحِدًا جَديدًا"
ما نحياه الآن في الجسد مُريع ومُميت لأنّ الحرب غزَت بلدنا. الحرب شرٌّ مُطلَق في كلِّ آنٍ ومكان، لأنّها تُخلِّف الفظائع والوَيلات والدمار الهائل. والأفظع أنّها تقتل الحياة. وما يُولِّدها هو العداوة التي تَعتَمِل في النفوس. 
"نجِّني من الدِماء يا الله"(مزمور 50: 14)، بهذه الكلمات تلفَّظ داود في أحد الأيّام، مُعبِّرًا عن ندَمِه جرّاء ما اقتَرفَت يَداه من جرائم وفظائع. ولكن هل كان صادقًا؟ وهل تندَم الصهيونيّة يومًا، هيَ التي تنتسِب إلى داود دمَوِيًّا، وتُوقِّع بنَجمتِه حيث تُجرِم ؟
على مِوقِع "فتِّشوا الكتُب"[ Sondez les Écritures]، نقرأ حول حُكم الله تجاه "إسرائيل" قديمًا والنظام الجديد للأشياء -أي النعمة الإلهيّة- الذي أدخله الآب بالمسيح إلى حياة شَعبه. جاء في المَوقِع: "الإسرائيليُّ التَقيّ أو المُخلِص، إذا وُجِد، كان يَنعم بالخَيرات الأرضيّة" لأنّه يَعتقَد أنّه إذا أرضى الله يُكافئه بتلك الخَيرات. والصهيونيّة تُحدّثُنا عن "النظام  العالميّ الجديد"، وتَظهِّره تحت أشكالِ العبَث بالأخلاق وبحياة الإنسان ومُستَقبَلِه. مُتَجاوِزةً دَومًا ومَنهَجيًّا تلك النعمة الإلهيّة التي أُعطِيَت لها لمُلاقاة "الآخَر" الذي يُعطي مَعنى لِحَياتها. وبِذا تتَحدّى "الآبَ السماويّ"، وتكُنّ له العَداء على غِرار قايين الذي أجاب الله:"ومَن أقامني حارسًا لأخي؟". 
علِم اليهود بحُكم الله الآب من خلال شهادة المعمدان ويسوع تالِيًا: "توبوا، لأنّ ملكوت السموات قد اقترَب"(متّى 3: 2 و 4: 17).، لكنّهم أبَوا إلَّا أن يُناهضوه ويُحاربوه ويقتُلوا "مُرسَلِه" يسوع المسيح (يوحنّا 17: 3) كما رجَموا المُرسَلين إليهم (متّى23: 37
"الرَّبُّ يُؤتي شَعبَهُ قُوَّةً، أَلرَّبُّ يُبارِكُ شَعبَهُ بِٱلسَّلام"(مزمور 29: 11)، هكذا صدَح داود يومًا. أي قوّة يُؤتينا الله؟ يَمنحُ الآبُ قوّة الحبّ والغُفران. قوّةٌ ليَقوم الواحدُ مِنّا لمُلاقاة "الآخَر" تَوطيدًا للمَعرفة المُتبادَلة، وللعَيش معًا والتَعاون في سبيل "حياةٍ وافرة للجميع"(يوحنّا 10: 10، يوحنّا 1: 1-18) بيسوع. هكذا يتركّز السلام في النفوس والنُصوص والمُمارَسة بين "المُختلِفين"، فيَصير الجميع "واحِدًا". إذ يَسقُط "حائط السِياج الحاجز" بينهم.
2. "فَبَينَنا وَبَينَكُم هُوَّةٌ عَظيمَةٌ قَد أُثبِتَت".
في مثَل الغنيّ ولعازَر (لوقا 19:16-31) نحن أمام نوعَين من الناس يتقاسَمان الحياة على الأرض والموت والمَابَعد. ولكن ما الذي يُميِّز هؤلاء؟
يُمكن أن يَشدَنا المثَل، لأوّل وَهلَة، إلى أغنياء هذا الدَهر، ويتَهيَّأُ لنا وكأنّهم من كوكبٍ آخَر:"بَيننا وبَينكم أُثبِتَت هُوّة" لا يُمكن تجاوُزها. لكُم عالمكم ولنا عالمنا. نظرتُهم إلى باقي الناس تَنطلق من قَوقعتِهم المُتَّصِلة بأنَوِيَّتِهم ونَرجِسِيَّتهم، ومن لا مُبالاتِهم تجاه الأصاغِر والمَنسِيِّين والوُضَعاء والذين لا يَملِكون شيئًا ولا يتمتَّعون بالامتيازات أو بالحقوق (متّى 15: 22) ... 
أمّا النَوع الثاني من الناس، فهل يَرَون الأثرياء على حقيقتِهم، كما تُبرِزُها الدراسات الاقتصاديّة والاجتماعيّة: يُشكِّلون  1% إلى 2% من سكّان الكوكب ويُهَيمِنون على 98% من خيراته. ويَتعامَلون مع الآخَرين كأسيادٍ مُطاعين، ولا سيَّما من الفاسِدين من الساسة والعسكر ورجال الدِّين.
أشُكّ بمَعرفة غالبيّة النَوع الثاني من الناس لتلك الدراسات، ويقيني أنّهم يُشبِهون لعازر القريب-البعيد من غنيّ المثَل، والذي تعيش كثرةٌ منهم اليوم على التقديمات العَينيّة، وقلّةٌ، منها المُسنِّون وأولاد الشوارع، على البحث في القُمامة عن شيءٍ يقتاتون منه أو يجمعون موادَّ يبيعونها ليستمرّوا ... 
3. "إِنَّما أَنتُم مُواطِنو ٱلقِدّيسينَ وَأَهلُ بَيتِ ٱلله"
يسوع يقول إنّ غنيّ المثَل يَعيش في الوَهم. إذ لم يُحدِّد أُولوِيَّته في الحياة، لذا لم يَكتشِف كَينُونَته[ Cf. André Gilbert Gatineau, juin 2001] الحقَّة إلَّا بعد الموت. لقد كان ليسوع أصدقاءَ أغنياء(لوقا 8: 1-3) رافَقوه واعتَنوا به وخدَموه، ومن بينِهم نساء كثيرات غيَّروا أُسلوب حياتهم من خلال تبَنّي نظرة الله لها، ولم يمُرّوا دومًا ومنهجيًّا بالقُرب مِمّن كان يُمكن ان يُعطي مَعنى لحياتهم ... التي أُعطوها ليلتقوا لعازر ومَن يُمثّلُه"[ Sur les chemins de la Parole,Aventure intérieure ].
التوبة (أو الارتداد) هي مِفتاح مثَل الغنيّ ولَعازر. وتعني أن نُصغي[ HOMÉLIE : 9 mars 2023 -Mgr Jean-Charles Dufour, Aumônier des Servantes de Jésus-Marie] جيِّدًا بيَقَظَة وشَجاعة إلى كلمة الله التي تُنادينا وتُوَجِّهنا وتُخلِّصُنا[ تثنيَة الاشتِراع 15: 7-8 و 10.]. يتعلَّق الأمر أساسًا بأن نصير الكائن-البذرة فينا، أي أنانا الحقّة في أوج سُطوعِها". نعم، لقَد "جاءَ (يسوع) وَبَشَّرَنا بِٱلسَّلامِ"، أبَعيدينَ كُنّا أو قَريبينَ. "لِأَنَّ بِهِ لَنا كِلَينا ٱلتَّوَصُّلَ إِلى ٱلآبِ في روحٍ واحِد. فلا نعود "بَعدُ غُرَباءَ وَلا نُزَلاءَ، بَل إِنَّما مُواطِنو ٱلقِدّيسينَ وَأَهلُ بَيتِ ٱلله". وَفي يسوع أَيضًا نُبنى مَعًا مَسكِنًا للهِ في ٱلرّوح"[ أفسس 14:2-22.]. فلا نُفرِّق بين الناس (تثنية 15: 7-8. 10).
أحدُهم قال لي يومًا: "ألَا تجِد أنّه لو نَعمل معًا يكون الأمر أسهَل؟"[. André Gilbert, Gatineau, juin 2001]




اقرأ في النهار Premium