الاب ايلي قنبر
1. اسلُكوا "كحُكماء مُفتَدينَ ٱلوَقتَ، لِأَنَّ ٱلأَيّامَ شِرّيرَة"
يتَوجَّه بولس "رسول الأُمم" إلى أهل أفَسُس بكلامٍ بنّاء يصلح لعصرنا أيضًا: "اسلُكُوا كَأَبناءِ ٱلنّور. فَإِنَّ ثَمَرَ ٱلرّوحِ هُوَ في كُلِّ صَلاحٍ وَبِرٍّ وَحَقٍّ، مُختَبِرينَ ما هُوَ مَرضِيٌّ لَدى ٱلرَّبّ". يشعّ بنات وأبناء النّور ضوءًا نَحتاجه نحن الغائصين في ظُلُمات هذا الدَهر والهائمين على وُجوهنا لِفَقدِنا البوصَلة. ما يعكِسُه هؤلاء هو "ثمَر الرُّوح". إذ يَصدر عنهم "كلّ صلاح وبِرّ وحقّ"، مُنطلِقين من الله ومُرضينَه في الـ"هُنا والآن". كيف لهُم ذلك؟ أولاد النُّور لا يَقبعون في ظُلمة الجهل[ يا جاهِل! في هَذِهِ ٱللَّيلَةِ تُطلَبُ مِنكَ نَفسُكَ، فَهَذا ٱلَّذي أَعدَدتَهُ لِمَن يَكون؟ - لوقا 12: 20.] لأنّهم عرَفوا معنى الحياة وقيمتها ومآلاتها بِميلاد "المشرِق" الذي "أظهر نور المعرفة للعالم"، على ما جاء في أُنشودة الميلاد[ طروباريّة الميلاد في الطقس البيزنطيّ.]. إنسانُ "النظام اليَسوعيّ الجديد"[ هذا النظام الحقّ، لا "النظام العالميّ الجديد" أو "نظام الشرق الأوسط الجديد".] عَينُه"صحيحة" وبالتالي "جسَده (كَيانه) كلّه نَيِّرً"، ويسلُك على هذا الأساس "لِيُضيء لكُلّ مَن في البيت".
زمانُنا تكتنفه اَلإضاءة الباهتة لأنّ القمر تحوّل لونه إلى لونِ دمٍ قانٍ، ويُمكن أن يتحوَّل إلى ظلمة قاتمّة إذا أكمل "قبضايات" العالم "حرب النُجوم" وما إليها، التي افتتحها رونالد ريغان في ثمانينيّات القرن الماضي. نعم، هناك "أيّام شرِّيرة" في كلّ مكان وزمان، "فَلا نكونَنَّ أَغبِياءَ، بَلِ لِنفهَمَنَّ ما مَشيئَةَ ٱلرَّبّ". أن نسلُك "كحُكماء مُفتَدينَ ٱلوَقتَ هذا صالحٌ وحقٌّ وعدلٌ، ولكن ليس على الطريقة الاستعماريّة الطَمّاعة بنظامها النِيُوليبِراليّ المُتَوحِّش، التي تعتبر "الوقت من ذهب". نحن نَعتبر الوقت زمَنًا إلَهِيًّا "لِنَنْمو فيه بالسِنّ والقامة والنِعمة أمام الله وأمام الناس". هلَّا فعلنا؟
2. " "لِيَ الانتقام، أنا أُجازي، يقول الربّ"
عنوان الفقرة اعلاه منسوبٌ إلى الربّ[ كما جاء في الرسالة إلى العبرانيِّين 10: 30 وإلى الرومانيِّين 12: 19.]. وفي العهد القديم يكثُر نَسْبُ كلامٍ مُماثِل إلى الربّ. فقد جاء في سِفْر صموئيل: "أَللهُ هُوَ ٱلمُنتَقِمُ لي، وَمُخضِعُ ٱلشُّعوبِ تَحتي"[ صموئيل 22: 48.]. تكمُن المُشكلة في فَهْم قسمٍ من اليهود كلام كتُبِهم "الدِّينيّة" بِحَرفيّة وشُوڤينيّة وعُنصريّة، وبِحقد[ لأَنَّ الْغَيْرَةَ تُفَجِّرُ غَضَبَ الرَّجُلِ فَلا يَرْحَمُ عِنْدَمَا يُقْدِمُ عَلَى الانْتِقَامِ. الأمثال 6:34.] واستِعلاء. فلنُعالج الأمر على مُستَوَيَين: الأوّل توضيح معنى الانتقام بيبليًّا؛ ومن ثَمَّ على صعيد العَلاقة بين اليَهوديّ وباقي الناس.
- في اليونانيّة والعِبريّة يعني الانتقام[ الأب بولس الفغالي، موقع "الكلمة صار جسَدًا" – الصفحة الرئيسة، دراسات بيبليّة، إنجيل متّى، بدايات الملكوت/ الجزء 1(1996)، الفصل 20، من الانتقام إلى محبّة الأعداء.] "نَقمة" أو "ثأر"، في إشارة إلى فكرة العقاب في معناها الأصلي. ويتحدّث الله، في سفر تثنيَة الاشتراع، "عن شعب إسرائيل[ موقع Got Questions.] العَنيد والمُتمرِّد وعابد الأوثان الذي رفضَه وأثار غضَبه بسبَب شرِّه. لقد تعهد بأن ينتقم لنفسه منهم في الوقت الذي يراه حسب دوافعه النقيّة والكاملة. وفي العهد الجديد تَتعلّق "بِسُلوك المؤمن، الذي يجب ألَّا يَغتصِب لِنفسه سُلطان الله". من هنا توصيَة موسى من قبَل الربّ: "لا تَنْتَقِمْ وَلا تَحْقِدْ عَلَى ابْنَاءِ شَعْبِكَ بَلْ تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. انَا الرَّبُّ"[ لاويين 19: 18.].
- في كتابٍ[ "التاريخ اليهودي، الديانة اليهودية: مسيرة 3 آلاف عام" سنة 1994.]له، يَجزُم [ الباحث في التاريخ اليهوديّ، والكيميائيّ الإسرائيليّ. ]يِسِرائيل شاحاك[ بيروت حمّود، الفاشيّون لا يقدَحون من رأسهم: هذا ما يأمرهـم به التَلمود، 05 تشرين الأوّل 2023 – الأخبار.] بأنّه "ينبغي الإقرار منذ البدء بأن التلمود يتَّصِف بعَداوة "الأُمم"، كما جاء في "كتابَي[ -«مِشْنِيه هَتُوراة»، و«المجموعة الكاملة للشرائع التلمودية».] الراف موشي بن ميمون[ الجدير ذِكره، هنا، أن هذا الكتاب المُعتَمد في إسرائيل منذ قيامها نُشر في روما عام 1480.] اللَّذَين "يَطفحان بأسوأ النُعوت لكلّ الأُمم والشُعوب،... ومن بينها العبارة التي تَرِد بعد كلّ ذِكرٍ لكلمة المسيح: «فَلْيُمحَ ذِكر الشرِّير وتلامذته»[ الجدير ذِكره، هنا، أن هذا الكتاب المُعتمد في إسرائيل منذ قيامها، نُشر في روما عام 1480.]. أمّا الكتاب[ أشهر فروع «الحسيديّة».] الأفظع فهو «هَتانايا» لحركة «حاباد». وبحسَبِه فإن «كلّ غير اليَهود هُم مخلوقات شَيطانيّة... وُجِدَت من أجل (خدمة) اليَهود». ووِفق "الهَلاخاه"، "يُعتبر كلّ غير اليهود *كذّابين بالفِطرة* وجميع (نساء) غَير اليهود بَغايا[ هذا ما عبَّر عنه مثَلًا فيلم "The Porky’s" بأجزائه الثلاثة في ثمانينيّات القرن العشرين.]، وقد تَسبَّبوا بالمُشكلات لليهوديّ».
بينَما في "عهده الجديد" علَّم يسوع المسيح، بكلّ بساطة وعُمق، أن"أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ" (متى 5: 44). فلنَتنبَّه:"ليس علينا أن نرمي خطأنا على الآخر[ الأب لويس حزبون الكمال الإنجيلي: عدم الانتقام ومحبّة الأعداء - فلسطين 18 شباط 2023.
]: فالعَدُوّ، كلّ يحمله بين يديه؛ والعَدُوّ هو الأنانية التي تجعلنا نقع في الخطيئة". أليسَ هذا المَنحَى أكثر إشراقًا وحكمةً وفاعليّة في بناء عالمٍ أخَويّ وسَلاميّ؟
3. " استَيقِظ أَيُّها ٱلنّائِمُ..."
تحدَّث الناصريّ يومًا عن غنيّ "أخصبَت ضَيعته" فَقرَّر بناء أهراء أكبر مِمَّا لدَيه لتَخزين "جميع غلاله وخَيراته". وَقال لِنَفسه:"يا نَفسِ، لَكِ خَيراتٌ كَثيرَةٌ مَوضوعَةٌ لِسِنينَ كَثيرَة. فَٱستَريحي وَكُلي وَٱشرَبي وَتَنَعَّمي!".
هناك عددٌ من ناس الأرض وكأنّهم يُسوحون على كوكبٍ آخَر، "لهُم خيرات كثيرة موضوعة لسِنين كثيرة"، يستَريحون في جنّات خُلدٍ يقصدونها للتَرفيه عن أنفُسِهم، "يأكلون ويشربون ويتنعَّمون" وكأنّهم خالدون، غير آبِهين بِما يحصل من حَولِهم أو لِغَيرِهم أو لِلَحظةٍ تأتي كاللِّصّ في مُنتَصف الليل "تَطلب منهم نفوسَهم". لَو توقَّف هؤلاء لِبُرهةٍ وسألوا أنفسهم ما الحياة، ولِمَ نحن نعتمد هذا النمَط من العَيش، وإلى أين يألوا بنا وهل ننعم به أبَدًا، لَرُبّما تبدّلوا. فاهمين هذا الذي ينتظر الغافلين، "النائمين نَومةَ الموت": "يا جاهِل! في هَذِهِ ٱللَّيلَةِ تُطلَبُ مِنكَ نَفسُكَ، فَهَذا ٱلَّذي أَعدَدتَهُ لِمَن يَكون؟".
السلُوك كحُكماء مسؤولين عن الحياة الأَخَويّة المُشترَكة يُوفِّر لجميع الناس حياةً هانئةً سلاميّة تليق بهِم وبالأجيال الوافدة. هلَّا فعَلنا ؟
حزقيال 25: 12-17