سعد نسيب عطاالله
قرع أحدهم باب غراب يشكوه ابنه "النعاب" الذي دخل حديقته وأكل الفاكهة والخضار. عند عودة النعاب إلى البيت، زجره أبوه شرّ زجرة، فظنّ المشاكس أنه سيلقى عقاباً شديداً على فعلته الشنيعة، لكنّ الغراب عاتبه لاحقاً بقوله: "لماذا كنت شديد الغباء؟ كيف سمحت لصاحب الحديقة أن يراك تسرقه؟"
كان الغراب، في أحد الأيام، سائراً في الحقل مع ابنه، فشاء أن يعطيه درساً حول كيفية تحاشيه أذيّة الإنسان وغدره. قال له": يا بني، عليك أن تبقى بعيداً عن درب الإنسان عندما تراه ينحني نحو الأرض، لأنه سوف يتناول حجراً ويرميك به، فيؤذيك!" فأجابه النعاب على الفور: "ماذا لو كان يحمل حجراً في جيبه؟"
يتبين لنا من خلال ما أوردت أعلاه، أن النعاب هو أدهى من أبيه الغراب، ويفوقه حذراً، ودهاء، وحيلة.
يعيدني ذلك إلى حال السياسيين اللبنانيين وأبنائهم الذين يتوارثون السلطة أباً عن جد، وولد عن والد.
يظن كثيرون أن الفساد الذي سار على منواله وسكته والد المسؤول في القطاع العام، سوف لن يتبعه أو ينهجه وريثه، لأن الإبن قد دخل الجامعة، وصادق زملاءه البسطاء، ويتمتع برؤيا جديدة من شأنها أن تجعله يرعى أمور الشعب بكل شفافية وتقدم. لكن يتبين دائماً أنّ الوريث ليس أقل فساداً من أبيه، بل أكثر دهاء، وحيلة، وغدراً منه، ولا يختلف طبعه، أي النعاب الوريث، عن طبع وسلوك أبيه الغراب!
تدّعي أطراف سياسية لبنانية، هي خارج طغمة السلطة الحاكمة الفاسدة حالياً، أن إجراء انتخابات نيابية مبكرة من شأنها أن توصل وجوها جديدة وفتية واعدة إلى قبة البرلمان، لكن حصيلة هذه الانتخابات، لن تكون مغايرة عن سابقاتها بعد إعلان نتائجها، لأن النعاب سوف يخلف الغراب، ويزداد الفساد والإفساد!
كذلك الأمر مع حالات التوظيف في كل مؤسسات القطاع العام، المدنية والأمنية، فلا يخلف الغراب إلا النعاب!
كيف يمكننا إذاً التخلص من هذا الفساد المستدام، في منظومة غربان الشأن العام، ونواعبهم؟
إن الحل الأفضل للوصول إلى تأمين العدالة والاستقرار الاقتصادي والأمني في لبنان، يكون في التشبه بالفلاح الماهر الذي عندما تغزو الجراثيم والأوبئة والحشرات الضارة مواسمه الزراعية، يلجأ الى رشّها بالمبيدات السامة، والقضاء عليها، وإبادتها، من أجل جني المواسم، والاستفادة من مداخيلها، فيؤمن عندئذ لعائلته (أي الشعب)، الحياة الكريمة، والبحبوحة، والاستقرار!
متى يصدر قرار رش فساد وأوبئة وجراثيم، الغربان والنواعب، الذين يمتصون دماء الشعب، لاستئصالهم وإبادتهم، وإبعادهم عن هذه المنظومة السلطوية المتسلطة، والظالمة، والفاسدة، من أجل توطيد دعائم الدولة العادلة، وتأسيس وطن؟
هل ستصل هذه المبيدات السامة القاتلة، قبل زلزال تسونامي الفاسد الذي سوف يغرق أكواخ الفقراء الشرفاء، ولا يمسّ قصور الفاسدين الأشقياء؟