النهار

بين الاستقلال واللااستقلال
ويبقى السؤال هل حقاً نال لبنان استقلالاً تاماً في ظل التدخلات الخارجية؟
A+   A-
فانيسا سيمون الصالحاني


أفرغت الحرب قلعة الاستقلال من زوارها، على عكس السنوات الماضية، حيث كانت معظم المدارس والجامعات والسياح من مختلف مناطق لبنان والعالم تتهافت لزيارتها والتمتع بتاريخها العريق والتجول في أرجائها حيث الغرف التي كانت سجوناً للرؤساء قديماً. في الأمس كان الاستقلال بمثابة تحقيق السيادة. أما اليوم فينظر إلى الاستقلال بروح تاملية.
ويبقى السؤال هل حقاً نال لبنان استقلالاً تاماً في ظل التدخلات الخارجية؟
إعادة قراءة تاريخ استقلال لبنان وفحص مكوناته يُظهر أن التدخلات الخارجية لم تكن العامل الوحيد الذي يقوّض الاستقلال، بل إن هذه التداعيات التي نراها اليوم هي امتداد لمسار طويل بدأ مع نشوء لبنان في ظل الانتداب الفرنسي. فاستقلال لبنان، الذي تحقق في 1943، كان في جوهره نتاجاً لواقع سياسي ودستوري مفصل ليتناسب مع مصالح القوى الاستعمارية آنذاك.
عندما وضع الاستعمار الفرنسي أسس لبنان، تم تصميم الدستور بما يتلاءم مع الواقع الطائفي الذي كان قائماً في البلاد، مع مراعاة توزيع السلطة بين الطوائف المختلفة. هذا التوزيع لم يكن مجرد حل سياسي لتوزيع القوة بين الجماعات المختلفة، بل كان أداة يمكن من خلالها أن يمارس الاستعمار الفرنسي تأثيره على مختلف الطوائف. إذ كان النظام الطائفي، بجوهره، يفتح المجال للتدخلات الأجنبية التي تضمن نفوذ القوى الغربية في شؤون لبنان الداخلية.
كان هذا النظام الطائفي المفتعل بمثابة "دستور مفخخ" في أسس لبنان الحديثة، والذي لا يمكنه أن ينتج استقلالاً حقيقياً أو سيادة كاملة. فالدستور اللبناني المعتمد لم يُبنَ على أسس المواطنة والتعايش الوطني المتساوي بين جميع المواطنين بل كان يعزز الولاءات الطائفية على حساب الهوية الوطنية الجامعة. وهذا التوزيع للقوى السياسية على أساس طائفي جعل من الصعب على الدولة أن تكون قوية ومستقلة تماماً، كما أنه خلق بيئة خصبة للأزمات المستمرة.
منذ الاستقلال وحتى اليوم، لم تتوقف الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذه الأزمات تتكرر بشكل دوري، وهو ما يثبت أن لبنان يعاني من "استقلال ناقص". فكل عقد من الزمن يشهد على أزمة كبيرة، أحياناً على مستوى النظام السياسي، وأحياناً على المستوى الاجتماعي، وفي أحيان أخرى على المستوى الاقتصادي. وكل هذه الأزمات مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بهذا النظام الطائفي الذي يكرس الانقسامات ويعوق بناء دولة قوية ومستقلة.
بناءً عليه، لا يمكن اعتبار الاستقلال الذي تحقق في 1943 استقلالاً حقيقياً بالمعنى الكامل للكلمة، إذ إن هذا الاستقلال جاء في سياق من الانقسامات الداخلية والتدخلات الخارجية، وبنظام سياسي غير قادر على بناء توازن داخلي يسمح بوجود دولة ذات سيادة حقيقية. فالصراع اللبناني الإسرائيلي ما زال ممتداً منذ القدم حتى يومنا هذا، كحرب 1948، حرب 1967، حرب 2006 والحرب التي تحصل الآن وغيرها من الحروب.
استقلال لبنان الحقيقي يبقى في الخروج من هذا النزاع الذي يلحق الضرر باللبنانيين وبأرض الوطن، ومنع كل التدخلات الخارجية في شوؤن لبنان. بعد الاستقلال... استغلال... اغتيال... بانتظار الاستقلال. 


اقرأ في النهار Premium