النهار

تِنذكر ما تنعاد إن شاء الله
هذا اليوم هو بمثابة أكبر عيد في حياة اللبنانيّين جميعاً. مشينا طريق جلجلة مليئة بالتّوتّر والخوف والمتاهة وجهل المصير.
A+   A-

عبير شروف 

 

 

هذا اليوم هو بمثابة أكبر عيد في حياة اللبنانيّين جميعاً. مشينا طريق جلجلة مليئة بالتّوتّر والخوف والمتاهة وجهل المصير.
شمس اليوم تختلف 180 درجة عن شمس الأمس. كأنّ الكرة الأرضيّة عدّلت في دورتها وتستقبل اليوم الشمس بألوان غير، وحرارة غير، وأنوار غير، وفيتامين د غير.
ليت الجميع يستشعرون هذا السّحر والجمال للهدوء وطيب الكلام وسعة الفكر لإيجاد الحلول بالطرق الحضاريّة التي تليق بإنسانيّتنا وكرامتنا وعزّتنا واستناداً إلى حقّنا برؤية الدّنيا والعيش الرّغيد وامتلاك قرارنا ورسم مستقبلنا وصنع سعادتنا بتعبنا، وترحيباً بكرم الكون والطّبيعة علينا ومنحنا السّلام.
عسى أن تكون هذه الحرب بالأمس القريب البعيد آخر حروبنا، وتنذكر ما تنعاد، وكل لبناني ترك بيته، يعود لإعماره أجمل وأمتن، ومحصّناً بقوّة جيشنا اللبناني الباسل الذي تخطّى ونجح في أصعب الامتحانات في هذه الحرب الوعرة والملغّمة بتفاصيلها، فدارى الموقف الاستثنائيّ واحتضن الجميع وباشر منذ الليلة الماضية وقبل موعد وقف النار بالاتجاه نحو مواقعه وتسلّم مهمّته الدّقيقة في جنوبنا الجريح، ومن غير هذا الجيش يداويه ويبلسم جراحه ويكحّل عيون الأهالي الصّامدين الشّجعان هناك، في جميع القرى، سيّما التي حوصرت وبقيت متمسّكة بالبقاء تحتضن النازحين من القرى المجاورة المهدّدة بصواريخ إسرائيلَ لا ترحم، ولا تأبه، ولا تسمع، ولا تنظر، ولا تكتب إلّا بالنّار.
مساندتنا لغزّة بالنّار طوّقت لبنان كلّه بالنّار، هجّرت أبناءه من بقعة إلى بقعة، ولولا صمودنا سويّاً ودعمنا بعضنا البعض ووحدة شعبنا واستبسال أبناء لبنان في الدّفاع عن كلّ متر من أرضنا في الجنوب، كلّ ذلك مترافقاً بنوايا الرّئيس الأميركيّ بايدن والفرنسي ماكرون ورغبتهما ومصلحتهما بإنهاء الحرب في لبنان، لكنّا ما زلنا نرزخ تحت وابل هجمات الإسرائيليّ ونرصد الأحياء والمباني المدمّرة ونعدّ الضّحايا والشّهداء والجرحى، ولكانت لجنة الأزمة لا تزال تركض ولا تستوعب وفود اللّاجئين اللّبنانيّين من أماكن القصف العنيف إلى الأماكن الأقلّ تهديداً، وإذا وجدت لهم السّقف، فإنها تتعثّر في إيجاد الغطاء والتّدفئة والغذاء السليم. ما هذا الضّيق الذي لم يستثنِ لبنانياً واحداً حتى لو كان خارج البلاد! فكيف يحلو لنا المذاق وإخوتنا جائعين أو في العراء يرتجفون كما رأيناهم، أطفالاً أصبحوا رجالاً في مساء واحد، فانطلقت ألسنتهم يشرحون لنا بطولاتهم وكيف نجوا من النّار في قلب بيروت!
كلّ اللبنانيين اليوم من جميع البيئات شمسهم مختلفة حتى لو أنّ الطقس غائم، فإن راحة البال تجعلنا نراها من خلف الغيوم. نحن كلّنا نرى نفس الشّمس ونتنفّس نفس الهواء، والبحر والجبل لنا جميعاً. نحن اليوم مؤتمنون على الحفاظ على هذا الهدوء وعلى هذه الحياة التي أكرمنا بها طبيعة الكون. لا أحد يحقّ له أن يعبث بأمننا وبصفاوة أجوائنا. كلّنا لم نعد نحتمل سماع أيّ صوت غير صوت موسيقى الحياة، موسيقى الغناء للبنان، موسيقى أطفالنا في ملاعب المدارس، موسيقى مصانعنا تعمل وتنتج حوائجنا، موسيقى بوليس الإشارة ينظّم سيرنا في الصباح والمساء ذاهبين عائدين من وإلى وظائفنا.
هذا اليوم هو العيد الوطني لجميع اللّبنانيين: 27 تشرين الثاني 2024. حيّ على خير عملِ من سعى إليه وسهّل الوصول إليه وتمنّى وشارك وساعد في توفير الأجواء الحسنة بين جميع اللبنانيين بانتظار الوصول إليه.
كلّ 27 نشرين الثاني واللبنانيون جميعاً بخير، كل 27 تشرين ونحن شعبٌ واحد لا يخرقنا أيّ طامع أو استغلاليّ، ونحن نستحقّ أن تكون كل أيامنا القادمة 27 تشرين وأكثر ومزيد من الهدوء والسلام والتقدّم والسّعادة.

اقرأ في النهار Premium