الاب ايلي قنبر
1. الأعمى:"ما هَذا؟ "
العمَى حالةٌ تُصيب كثيرين، منذ مَولِد بعضهم أو إثر حادثة ما. ويُمكن أن يكون خسارةَ بصيرة، وهذا أدهى. فاقد البصَر يُعوِّض عبر تميُّز حواسَّ أو قوَّةَ حدْسٍ أو بصيرة عميقة. وقد يستفيد في حالاتٍ مُحدَّدة من عمليّة جراحيّة تُعيد إليه البصَر عبر هبَة من شخص تُوفّي.
أمّا فاقد البصيرة فمِن الصعوبة بمكانٍ أن يَقبل التوبة إلى الحقيقة. أو أن يتواضَع حين يتحاوَر مع شخصٍ عميق التفكير ومُختبَرٍ حياتيًّا. وأصعَب حالات عمَى البصيرة ينتج عن الأدلَجة، الدينيّة أو السياسيّة أو الاثنَين معًا، فتزيد خطورة الحالة.
في هذا كتبَ سلام محمد العامري: "قال عزَّ مِن قائل سبحانه:*فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ* يأمرنا الباري جَلَّ شأنه، أن نُحَكِّمَ بصيرتنا، ولا نَحكُم دائماً على ظواهر الأمور. كيف يُمكن للمُؤَدْلَج أن يُحكِّم بصيرته؟
يُعرِّف الفيلسوف الپُولَّنديّ أدَم شاف الإيديُولوجيَا بطريقة جامعة ومُحايِدة، على أنّها "مجموعة أفكار وتصورات، كوَّنها المجتمع عن طبيعة كيانه وصاغَها عن تاريخ جماعاته، عبر أنماط متعدِّدة ومتنوِّعة من البُنى الذهنية والأنساق الثقافيّة والتمثُّلات الرَمزيّة". فيما "أنصار كل أيديولوجيا يظنّون وَهْماً أنهم يّمتلكون الحقيقة المطلَقة".
2. فَجَعَلَ ٱلمُتَقَدِّمونَ يَزجُرونَهُ لِيَسكُت
"مجد الله هو الإنسان الحيّ"، يقول القدّيس إيريناوُس. وهذا ما سيَحصل عليه أعمى أريحا. فقد جاء أن اثناء مرور يسوع بأريحا، "كان أعمى جالِسًا عَلى ٱلطَّريقِ يَستَعطي". كان المُصاب بمرَض أو بعاهة من بين المَنبوذين في مُجتمع اليَهود إذ يرى فيه شخصاً خاطئاً قاصصه الله، فَلا كلمة له ولا مكان في المجتمع، لا بل يُجرَّد من اسمه.
فبَعد أن سأل الأعمى "ما هذا" الذي يجري من حوله، أسمَع يسوع صوته وحاول الاقتراب منه لعلَّه يحظَى بنَظَرةٍ منه يَستعيد بها وجوده. "فَجَعَلَ ٱلمُتَقَدِّمونَ يَزجُرونَهُ لِيَسكُت. أَمّا هُوَ فَكانَ يَزدادُ صُراخًا: *يا ٱبنَ داوُدَ ٱرحَمني*"! حاولوا منعه من الاقتراب من يسوع. "فَوَقَفَ يَسوعُ.. وسأله ماذا تريد أن أصنَع لك؟" فأجاب: "يا سيِّدي، أن أُبصِر". كان الأعمى ينتظر بفارغ الصبر "الخروج" من حالة النَبذ لا بل اللَّاوجود، وقد لاقاه المُحرِّر-يسوع لِلتَوّ ليَمنحه مُراده: "إذا الشعبُ يوماً ارادَ الحياة / فلَا بُدَّ أن يستجيبَ القدَر". لقد استَعاد إنسانيّته:"مجد الله هو الإنسان الحيّ".
المُتقَدِّمون في عالمنا هُم المُسَيطِرون على السماء والأرض وما إليهما، ويجب أن نقبل تَطويعهم لنَنال بعض فُتاتٍ يَسقط عن موائدهم. يُحلِّل السيِّد يَسِين إيديولوجيَا فئة هؤلاء "المُتقدِّمين" ويرى أنّها "تُحافظ على ثَبات (أنسَاقها الثقافيّة)، التي تطاوَلت عليها الآجال وتعاقَبت ضمنها الأجيال دون أن تَفقد حضورها في الوَعي الجَمْعِيّ وتضعف آثارها في السلُوك الجماعاتيّ، للحَدّ الذي يُمكن اعتبارها مكوِّناً أساسياً - لا بل مُسيطِراً - من مُكوِّنات البُنيَة العميقة والمؤِّسِّسة (لسَرديات) المجتمع الكبرى في مجالات الجُغرافيا والدِّين والتاريخ والثقافة والهُوِّيَّة". لقَد تخطّى الأعمى تلك الفئة المُسيطرة بدَعوةٍ من يسوع -"صوت الذين لا صوتَ لهُم"، ولا مُجير. قال: "أَبصِر! لقد قرَّر يسوع و"صنَع" منه إنساناً مُبصِراً. "تبِعَهُ وَهُوَ يُمَجِّدُ ٱلله"، لكن ليس على طريقة "بالروح، بالدَّم نَفديك يا زعيم". لماذا؟
السيِّد يَسِين يَخلَص إلى أنّه "يتساوى في العقل المُؤَدلَج، المتعلِّمُ تعليماً عالياً مع الأُمِّيّ. كِلاهُما بُبغاء فِيما يخُصّ عقيدتَه". أليسَ هذا ما نَشهده من التكفيريِّين الإسلامَوِيِّين صنيعة الصِهيُو-أميركيّ ودُميتَه التي يُحرِّكها ساعةَ يشاء وأنَّى يشاء وكيف يشاء؟
"من جملة مساوئ (الهَجنة الأيديُولوجيّة) أنّها تُحيل (المثقف) المُصاب بلَوْثَتها إلى فاعل اجتماعيّ شديد (النِفاق) ومُفرِط (الانتهازيّة)، بحَيث لا يتورَّع من تبرير كل شيء وتَسويغ أيّ شيء، طالما أن هذا الموقف يصبّ في مصلحته ويُحقِّق له مآربه". أليسَ هذا ما يفعله الغرب المُتَصَهْيِن منذ بداية القرن العشرين أقلّه، وبقوّة منذ 2006 حيث حُكِيَ عن "شرق اوسط جديد"عمِل الصهيو-أميركيّ على تَنزيله وإسقاطه بالنار والحديد على العالم العربيّ في مفاصل أساسيّة منه: فلِسطين، لبنان، العراق، سوريا، ليبيا، اليمَن، السُودان ... مُستَعينًا بِـ"حُلفاء" له من جنسيّات مختلفة دمّروا وسرقوا واستثمروا خيرات تلك البلاد، ولم يفلح ... وها هو بعد العُدوان على غزّة ولبنان قد فشل في بلورة صورة ذلك الشرق الأوسط "الجديد"- انتقل إلى سوريا لتَدميرها أمَلًا بالوصول إلى المُخطَّط له.
3."... وتبِعَهُ"
جاء في مثَلٍ لبنانيّ: "اللي بِشُوفني بِعَين، بْشُوفو باتنَين". الأعمى أو بارتيماوُس "في ٱلحالِ أَبصَرَ وَتبِعَ (يسوع) وَهُوَ يُمَجِّدُ ٱلله". كان وَفِياً لمَن صنع إليه الرَحمة، ووطَّد معرفته بيسوع إذ تتلمذ عليه وراح يُمجِّد الله في حياته. تُرى، لو سمعت بأن يسوع يمُرّ في الأرجاء، هل أهرَع إليه على غرار بارتيماوُس وأصرُخ: "يا يسوع ابنُ الله الحَيّ، ارحمني"، واتبعه وأتتلمذ عليه وأعمل بكلمة الله؟