النهار

القبّة الحديديّة "النفسيّة"
هناك مثل شعبيّ يقول: لا تعمل من الحبّة قبّة. ولكن ماذا لو كانت هذه الحبّة بحجم القبّة "الحديديّة؟"
A+   A-
روى  بو حمدان

هناك مثل شعبيّ يقول: لا تعمل من الحبّة قبّة. ولكن ماذا لو كانت هذه الحبّة بحجم القبّة "الحديديّة؟"
في هذه الأيّام الصعبة التي أصبحت جرعات القلق والخوف قُوتنا اليومي بدل الخبز،  واستُنزِفت قوانا حتى بات التعافي معركة مصيريّة تحتاج إلى شمشوم الجبّار، ذلك البطل الأسطوري، وقوّته الخارقة، للنهوض بأجسادنا المتهالكة وأرواحنا المنكسرة والتصدّي لكلّ ما يحاول المسّ بها.
وحين باتت الضغوطات النفسيّة في وطننا مثل الوجبات السريعة جاهزة ومكدّسة فوق بعضها البعض، لم يعد التعافي يستجيب للحلول التقليديّة والتدريجيّة، وصارت الحاجة ماسّة إلى حلّ جذريّ وسريع المفعول يعطينا القوّة لنسند قوانا، ولنحاول تكوين أنفسنا من جديد.
ها نحن في صدد اكتشاف المنقذ لنواجه عبثيّة الحياة. "المهدئّات"، تلك الحبوب الصغيرة الملقاة في علبة أنيقة، تعِدُنا بأن تكون قبّتنا الحديديّة النفسيّة، تحيط عقلنا بجيش من المضادات الحيويّة، وتتصدّى لأيّ أفكار أو مشاعر سلبيّة فتفجّرها قبل أن تصل إلى وكر القلق، وتحوّل المخاوف التي تصيبنا إلى مجرّد دخان يتبخّر في الهواء.
إنها تخلق حولنا غلافًا من الأمان التام، حين يصبح لا شيء يستدعي القلق. صوت الصواريخ، الأفكار السلبية، عمل غير مكتمل، علاقات متوتّرة، الحياة في عالم المهدئات ورديّة أو للأمانة رماديّة.
ولكن، تماماً كالقبّة الحديديّة، لهذه الحبّة طاقة محدودة. وكما أنّ نظام الدفاع يحتاج إلى صيانة وتجديد بين الحين والآخر، كذلك الإنسان يحتاج إلى جرعات جديدة تشحن نظامه الدفاعيّ.
وهكذا تسقط العقول والأجساد في عجلة لا تنتهي، حيث تصبح المهدّئات هي القبّة الحديديّة اليوميّة المُعتمد عليها لاعتراض أيّ محاولة اختراق لجدار اللامبالاة. ويبدأ الإنسان في بناء منظومة كاملة من الحبوب الملوّنة كمنظومة الدفاع الجويّة.
في النهاية، ومع استمرار الحياة في بلد ضعيف المناعة لا يتعافى، نكتشف أنّ المهدّئات ليست قبّة حديديّة بل زجاج هشّ، وأن القوّة الحقيقيّة هي تلك التي نستحضرها من داخلنا لندفع بخطانا الثقيلة، ولنواجه تحدّيات الماضي والحاضر.


اقرأ في النهار Premium