النهار

قِيامة الدُّخان
إِرث الغُبار المُتوج كأطيَافٍ خَفيَّة في رَقَصاتِ الرِّيح
A+   A-
لوران ليلي – سوريا 

إِرث الغُبار المُتوج كأطيَافٍ خَفيَّة في رَقَصاتِ الرِّيح، تَعالَت مِن لَعنَةِ الخُلود واصطدمتْ بِحوافِّ الظِّلَال، التي خَفَّت في طَياتِها لَطَخاتٌ أبديّةٌ مِن تاريخِها المُكوّر في خَيالِها الحجريّ؛ اِستثقلهُ السَّرَابُ في فَرَاغ النِّيران كَشفقَةٍ سَاخِرة، دون أن تَذوب معالمُها في أطرَاف الخلود أو في جمرةِ المولودِ مِن رَحِم العدم، المُعانق لجرمهِ، الذي نَهض مِن الرَماد في حَضرة الآلهة المُرتجفة بَين يَقينِها وفنائِهَا.
للرِّيَاحِ جُحورٌ في زوايا النِّسيان، تُمارسُ طُقوسَهَا بِفجورِ المعاجم، وَتفضُّ بكارةَ الآدَاب في مشهدها الأبديّ، تَسعَى لِقواميسِها التِي سقطت مِن أنامِل الأنْبياء كَحَباتِ غُبَارٍ تهيمُ على نفْسِها بِأيادٍ مرتجفَة، تَحفرُ السَّماءَ بِمُدنٍ مَنسية، كألوَاحٍ عَادَت بِتشكِيلِ نفسها مِن جِرَاحٍ داميةٍ في لحظَات رجاء.
تَأرجَح الكلمات، حاصرَهَا بِأنْيابهِ البارزة، يَمضغُ الوقت كَجائِعٍ يلمْلِمُ بقايَا أملٍ طُمس تحتَ رُكَامِه الكسول، ذلك الذي حملَ اسمَاءً مُرتعشَة وتَتَوارى خَلف أطراف الرَّب، التي فُتِّتتْ وجوهٌ في صدى أبديّ، مُستبَاح لِمدِّ اللَّيل بتسلَّق جُدراناً أنهكَها البشر كإعادتهِ لفصولِ الكون وَفق أمزجة النغمات المبتورة في تَلاشيها للصمت بحضنٍ زمنيٍّ، ليتَوقّف عن تكرارِ آهاته المباحة في ملاعق الشَّياطين.
ضجيجهم، ينتزعُ اليقينَ مِن شرايينهِ القمريَّة، مُنتظِراً، اِرتِطاماً أخيراً مع اللَّوحات المكتملة، ليُعيد تشكيلهَا بضفائرِها، وتسقُط بِنيتُها في بَيَاضِ الأكْفان، كحملٍ مُثقلٍ بِأوزَارِ الحُروب وبقايا باهِتةٍ لِمشروع الحيَاة في طَيَّات الخوف على عجل؛ بِخطوط مُترقرقةٍ بِالشَّك، تُراقص هَمساتِها المُنهكة على جدارِ السَّمَاء، التي تُحَاوِلُ عبثاً، أن تَجِدَ قبْراً تَموتُ فيه.
حوافُ الجبالِ الضَّيقةُ في غارِهَا الصدْعي، تَأسلمَتْ في ذُروَةِ سُطورِها، وَفي قياساتِها النسويَّة، التي أدمَجتْ أسْواطهم القذِرة بِأعضائهم الأربعة، وخلطتْ تَوابلَ رجالِهم في غداءٍ مُكسرٍ بِفحوى الرَّمادِ المُسمّر بِآهات الشَّمس، المُحمرِّ في آياتِ اللَّه، والمُكبَّلِ بأغلَالِ النّبوءة.
عِناقُ الموتِ، صديقٌ قديمٌ في مَضايِق الظِّلَالِ العالقةِ في تلكَ الأوفاقِ المُتدلّية مِن أنفَاسِ مُنَاضِلٍ مُحنَّكٍ، على مآسٍ نَعسَت طيَّ الآذَانِ المُتضادَّة، في تَسلسُلٍ عَاجِلٍ، كَشَّ صَلاتهُ في هَيئَة التَّرْقيم، وشمَّرتْ عن شَوارِبه، مُهَيئاً روحهُ بِهمَّةٍ مُتعَبَةٍ في اِقتِلاع الشَّهواتِ لِسبعينَ وِلادة، في سِحرهَا المَرضوضِ بكينونةِ السُّخرياتِ العاجلة، ونذيرِ المعاقِل المُشرَّدةِ مِن أوليّاتِ خَلائِقِ سرَاجها المسموع.
تبغٌ مُدلَّلٌ في ظِلِّ الأوراقِ المُستبشِرة، في حَلق أجرَاس الزَّيتونِ، المُتدلّية مِن أشرافِها - شرفُ مخلوقاتٍ، قَبلَتْ لِحافَّةَ الأسماءِ بثقلِ الأطفال، وتسكَّعوا قَبلَ اِنفِلات خِمارِهَا على أثدائهَا، لحماً ودماً، لِينحروا حُوارقهم الحافية، ورِحامهَّم العابسة في جوناتِ هَياكِلَ سُفُنٍ لَقِيطَة، مُنتحلَةً مَشيئَة مَحارث الأنبياء في الأُفق البعيد، ليُعيدَ كرَّاساتهِ الصَّغيرة، كإنسانٍ مَبلُولِ الرُّوح، بِقَصبٍ مِن شُبَّاكِ الإله، التي اِستوَتْ ترتيبها بِخُصَلِ مراياها الوَاعِدةَ، لقِلاداتٍ رملية، لِأثرٍ خَفيّ النِّعال، ولزواحفَ في رُقعِ الملحمتينِ ذبحاً؛ تَشعُّ أصبَاغُ الخريفِ المُرصَّع بِتسعِ لَحَظاتٍ، لِيعود إِلى اصلِهِ – إلى نهايَتُه كمَا وعد، ليَتَلاشَى فيهَا آخرُ خيوطِ الدُّخَّان وتقامُ القيامة.



اقرأ في النهار Premium