النهار

هل يعرف الّلبنانيّ ماذا يُريد ؟
المصدر: النهار
هل يعرف الّلبنانيّ ماذا يُريد ؟
يا لبنان، لكَ اقولُ قُمْ!
A+   A-
الاب ايلي قنبر 
1.يا لبنان، لكَ اقولُ قُمْ!
عند قِيام لبنان الكبير أنقسم الناس بين مُريدٍ له وبين ميّال إلى الوَحدة العربيّة دون حسم الأمر، إلى أن "فُرِض" عليهم اتِّفاق الطائف الذي اعتبر لبنان وطنًا نهائيًّا لسائر مُكوِّناته. والاختلاف بينهم قائمٌ حتّى الساعة حول هُوِّيَّة لبنان ورسالته ودَوره في مُحيطه ومع باقي الدُوَل. 
ومنذ الاستقلال لم يسعَ الطاقَم المُتحكِّم بلبنان إلى بناء وطن ترعاه دولة القانون والمؤسَّسات سِوى الرئيسَين فؤاد شهاب، الذي لمَا رأى البلد يبكي[  جرّاء ثورتّي 1958 و1960] كما أرملة نائين[  لوقا 5: 11-16 "ودَنا وَلَمَسَ ٱلنَّعشَ، فَوقَفَ ٱلحامِلون.فَقال:"أَيُّها ٱلشّابُّ، لَكَ أَقول:قُم!" فَٱستَوى ٱلمَيتُ وَبَدَأَ يَتَكَلَّمُ، فَسَلَّمَهُ إِلى أُمِّهِ".] على وحيدها[  كان لبنان ولَد الرئيس شهاب الوحيد.] توجَّه إلى لبنان صارخًا: "لبنان! لكَ أقولُ: قُمْ"! وبَنى له الدولة؛ والياس سركيس الذي حاول أن يُعيد للبنان مؤسَّساته التي تعرّضَت في زمن الحرب للاعتداءات من قِبَل الميليشيات.
لقد حجَز كلٌّ من المُتحكِّمين بلبنان إقطاعًا له ولأزلامه[ على ما كان يُردِّده بعضنا:"صحيح كان ياكُل، بس كان يطَعمي" أو ما عمَّمه أحد الزُعماء على جماعته عندما انتُخِب رئيسًا:"دبّروا حالكم طالما أنا بالحُكم. ما بدّي حدَا يبقى فقير".] اعتبروه "مزرعتهم"، و"حلَبُوا" مُقدِّرات الدولة، ثُمّ ضربوها كمُقدِّمة لخَصخَصتها[  لهُم ولشُركائهم -من خارج لبنان ومن داخله- وأزلامهم.]. لا بل وصل الأمر بأحدُهم أن سأل بكلّ قَحَةٍ، بعد نزوح عددٍ كبير من الجنوب:"أين هي الدولة؟"، وهو من مُستَبيحيها الكبار مع جماعته. 
نحن لم نسعَ إلى المُحافَظة على الدولة، بل غدَرنا بها واستَغلَلْناها، وتحايلنا على القانون وشاركنا في سرقة[  لمّا شاركوااستفادوا من فائدة ال40% على الّليرة في ايّام رفيق الحريري.] المال العام والمُلك العام. وعندما يواجه البلد عُدوانًا، نصرخ "يا الله، وَينَك؟" و "يا ربّ إحمِ لبنان". لِمَ لا نَحمي كلُّنا لبنان ونَعمل لأجله، ذاكرين قَول كينيدي: "لا تسأل عمّا يُمكن أن يَفعله بلدُك لَك، بل اسأل ما يُمكنك القيام به لبلدك".
خلال حرب 1975، كان أحد الزُعماء يُردِّد يوميّا عبر إذاعته:"أي لبنان نُريد؟" ويقترح مُستبِدًّا عادلًا "لحُكم ذاك الّلبنان "المجهول" الهُوِّيَّة ". دون الإفصاح عن ماهيّة الّلبنان الذي يُريد. فكيف لنا بلوغ الوطن المنشود؟ 
2. لقد قامَ فينا قائدٌ عظيم!
أيّ لبنان نُريد، تساؤُلٌ راهِن، يتسبَّب كلّ عقدٍ أو عقدَين بنِزاعٍ مُسلَّح يُضاعِف الشَرخ في ما بيننا. ولأنّنا مُرتَهنين كفُرقاء إلى خارجٍ ما، ما يزيد من عُمق المشكلة. فلنَعُد إلى لُبّ المشكلة بمُسانَدة من مُحلِّلٍ ارتكز إلى دراسة اجتماعِ-اقتصاديّة[  Socio-économique.] وضعَت الإصبَع على جُرح نازف منذ عُقودٍ دون أن نُعالجه جذريًّا.
 كتَب المطران غريغوار حدّاد مقالة[  في جريدة"لوريان لوجور" في 15 تمّوز .1975 ] بعُنوان: "العدالة الاجتماعية جواباً على الطائفية". وصَّف فيها ما عانى منه لبنان مُذَّاك. والذي ندفع فاتورته اليوم. يقول إنّه بعد 3 اشهُر على الحرب تميَّزت الحالة بِما يلي:" بات الوضع الاقتصادي لعددٍ أكبر وأكبر من المواطنين .. هشًّا لدرجة أنّه بلغ حدًا من البُؤس لا يُمكن تحمّله .. و كان النُزوح الجَماعي ينقل البُؤس من المناطق الريفية ويَزرعه.. خصوصًا في بيروت، وفي قلب بعض أحيائها". واضاف:"خلال هذا الانتقال، كان البؤس يتبع مسارًا كاملًا. وقد نما إدراكٌ لدى أولئك .. لبؤسهم، ولبُؤس الطبقات العاملة، وللفارِق الفاضح بين مستوى معيشتهم ومستوى معيشة أقليّة[   كانت بنسبة 4%/5%. مؤشِّرات "الأُمم المتّحدة" تفيد أنّ 1% من سكّان العالم اليوم يتحكّمون بخيرات الأرض.] تعيش في ترفٍ[  "بحيث تُنفِق في سهرة واحدة ما يكفي لإعالة أُسرة لعَشرة وعشرين سنة".] فاحِش". "إنّه إدراكٌ لحَقِّهم .. حيث ما من أحدٍ مُحسن، وما من أحد *يتلقى الإحسان*".
لقد حذَّر الرجُل من التبِعات الخطيرة: "تتمثَّل (التَبِعات) في انفجارٍ ضدّ هذا الوضع الجائر وضدّ القيِّمين عليه. لأنّهم يجدون في ذلك مصلحة لهم ... القادر على تدمير كلّ شيء في طريقه من أجل إعادة إعمارٍ أفضل"[  كان يتردَّد كلام أثناء حرب 1975 مفاده أنّ تدمير بيروت هو لصالح بنائها بشكلٍ أرقى، أي لصالح الخليجيِّين كما أراد مع رفيق الحريري. وهكذا يتخلَّصون من"حزام البُؤس" المُحيط بها حتمًا وبقوّة.]. وبيّن المطران عرغوار "من خلال مسح *القوى العاملة*[  الذي اجرته وزارة التصميم العام.] في 1970[  الأمر الذي كانت "بَعثة إيرفِد" قد أشارت إليه بدءًا من سنة .1962]: هناك 2.900.000 لبناني، من بينهم 1.200.000 مُقيم في بيروت وضواحيها. ماذا عن دَخلِهم؟ لا يأتي التقرير أبدًا على ذِكره[  "ذلك أنّ النتائج كانت ستبدو مُرعبة ليُكشَف عنها أمام الشعب اللبناني".]". لقد تفَلسَف[  لكن ليس على الطريقة اللبنانيّة. ] مُستَعينًا بِـ"الحركة الاجتماعيّة"ووزارة التخطيط العامّ[  التي ساهم بإنشائها مع الوزير موريس الجميّل.]:"لنتمكَّن من العيش وإنقاذ حياة الجُموع (لا بدّ من) أن نُحلِّل مُعطيات المجتمع غير العادل وتركيبباته، وأن نكتشف ما يُغذِّيه. ثُمّ تعميم هذا الإدراك "ومُساعَدتهم في «فلسفة» وُجودهم"؛ و"تنظيم إدراكهم من خلال قوّة حاضرة وفعّالة في سبيل إحداث تغيِيرٍ" دون تدخُّل خارجيّ.
وخلُص إلى أن "من شأن إرساء العدالة الاجتماعيّة أن يُساعد في القضاء على مرض (الطائفيّة) بشكلٍ نهائيّ". ولفَت في تمّوز 1975 وُصولًا إلى حَلّ جذريّ: "من الصحيح أيضاً أنّ الصهيونيَة، والإمبرياليّة والرأسماليّة العالميّة تُشكّل جميعُها قضايا أهمّ بكثير، وأن وَضع حدٍ لها أصعب بكثير. لكن إذا حُلَّت مشاكلنا الداخلية، سيَقِلّ عدد الضعفاء كما العُملاء المُستعدّين للتعاون مع هؤلاء الأعداء ضد أبناء وطنهم". مُشيرًا إلى انّ "الأكثر إلحَاحًا هو تأمين (الحياة الكريمة) لهذه الجُموع .. وبشكلٍ مُستقِرّ". الأمر الذي لم يلتفِت إليه المُتسلِّطون على الحُكم والدولة آنَذاك وحتّى الساعة، ويَرفُضون.
أمّا "المِعيار الوحيد الحاسم الذي يضمن صلاحية النظام واستدامته فهو ذلك الذي يَصون حقوق الأغلبيّة".
"في لبنان، كما في كل مكانٍ آخر في العالم، هناك «طاقتان» تتصارعان، بمزيدٍ من الوضوح والضراوة: - طاقة «بعض الأشخاص»، المُمثَّلة برأس المال[  "التي تُقوّيها أسلحة القَمع والدمار وإيديولوجيَا قمعيّة".]؛
- طاقة الجماهير الشعبيّة التي تستيقظ من كَبوَتها... وتتّحد... وتجعل صَوتها مسموعًا".
وينتهي غريغوار، وأُشاركه[  كنّا شريكَين في 1978 في ذلك من خلال "الحركة العالميّة للمُصالَحة" مع جان غُوسّ-مايِر وهيلدْغارد مايِر-غُوسّ. لكن لم نفلح في المُتابَعة بتركيز لانهماك غريغوار في شؤون عديدة في اكثر من منطقة.]:"مشاكلنا كافّة يُمكن أن تُحَل من خلال قوّة الّلَاعنف التي بدأت بالتَشكُّل". واضح ؟

اقرأ في النهار Premium