سامر درويش*
لبنان، كم هو مؤلم أن نراك تغرق في بحر دماء مواطنيك المدنيين العزّل الأبرياء. يا وطن تسامى على جراحه، وتعالى على مستغلّي طيبة أرضه ونقاوتها وقداستها، من أقاصي غابات العذر الممتدة أشجارها بمجد وشموخ يعانق الأزل على منحدرات جبال القبيّات والقمّوعة في عكار، إلى غابات الأرز المكلل بالعز والوقار في أعالي جبل المكمل الشامخ، وصولاً إلى جبل الباروك في الشوف، إلى حقول وسهول البقاع وصفاء قمر مشغرة الجريحة ومرتفعات جبل صنين، وبساتين الكرز في حمانا وحقول التفاح في بسكنتا، إلى جنوبك الصامد المدمر حالياً، إلى جلّ البحر في صور، إلى تلك التلة الصغيرة التي تحتضن قلعة الشقيف الخالدة. أيها الوطن الجريح، أيها الوطن-التاريخ، أيها الوطن الذي ينبعث بعد كلّ موت يصيبه كطائر الفينيق، ويقوم من جديد من تحت الركام ويحلّق من جديد حراً مستقلاً، وطناً لكلّ مواطنيه. يا وطن الشهداء الذين استهدفوا وسقطوا وهم في بيوتهم أو سياراتهم أو حيثما تواجدوا، سقطوا ليفدوك أنت بدمهم...
كم تجوّلنا في أوصالك وشرايينك الضيقة النابضة بالمحبة، وشربنا من مياه أنهارك، نهلنا من خيراتك المنسية في سلال التين والزيتون المقطوفة للتوّ، وصعدنا إلى قمم جبالك الشامخة الشاهقة التي تعلم العنفوان، وكم استمتعنا ببياض ثلوجك القطنية الناعمة، وكم انتظرنا ذوبان الجليد. من بحرك انطلقت أبجدية التاريخ، ومن جبلك اندلعت شرارة الشمس، أيها الوطن الجريح أنت لست جزءاً من الجغرافيا بل أنت قطعة من التاريخ.
*عضو في اتّحاد الكتّاب اللبنانيين