النهار

شرق أوسط جديد يولد على الحروب
الميدان يحدد المسار السياسي (أ ف ب)
A+   A-

د. أيمن عمر

يرى بعض الباحثين أن مصطلح الشرق الأوسط ربما يعود استخدامه إلى منتصف القرن التاسع عشر، عندما استخدمه المكتب البريطاني في الهند، إلا أن استخدامه لم يصبح شائعاً إلا بعد أن تبنّاه المؤرخ الاستراتيجي ألفرد ماهان (Alfred Mahan) صاحب نظرية القوة البحرية في التاريخ عام 1902. حيث حدّد ماهان الشرق الأوسط –من وجهة نظر غربية- بأنه منطقة حول الخليج لا هي "شرق أدنى" ولا هي "شرق أقصى". وطرح ماهان هذا المفهوم خلال دراسته للاستراتيجية البحرية البريطانية في مواجهة النشاط الروسي في إيران والمشروع الألماني الّذي استهدف ربط برلين ببغداد عبر خط حديدي. ولكن "ماهان" لم يحدد بدقة النطاق الجغرافي لهذا المسمى/ المصطلح.

ثم استخدم اللورد كيرزون (Curzon) الحاكم البريطاني للهند –وقتذاك – المسمى ذاته للإشارة إلى المنطقة التي تضم تركيا وإيران إلى جانب الخليج العربي باعتبارها تحتل الطريق إلى مستعمراته. وفي عام 1921 أنشأت وزارة المستعمرات البريطانية "إدارة الشرق الأوسط" للإشراف على شؤون كل من العراق وفلسطين وشرق الأردن.

وإبان الحرب العالمية الثانية (1939– 1945) تأكّد استخدام مصطلح "الشرق الأوسط"، فقد استخدمته بريطانيا رسمياً عند الإشارة إلى الدول الممتدة من ليبيا غرباً إلى إيران شرقاً، ومن اليونان شمالاً إلى الحبشة أثيوبيا جنوباً . وفي عام 1989 قدمت "الوكالة الدولية للطاقة النووية" (TAEA) تعريفاً جديداً لحدود الشرق الأوسط، إذ حددته بالمنطقة المحددة من الجمهورية العربية الليبية غرباً إلى جمهورية إيران الإسلامية شرقاً، وبين سوريا شمالاً إلى جمهورية اليمن الشعبية جنوباً.

...إن فكرة الشرق الأوسط الجديد أو الكبير ليست حديثة العهد في مشاريع الفكر الصهيوني الاستعماري والتوسعي، فهو مشروع مشترك إسرائيلي– أميركي. فقد أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس أثناء الحرب الإسرائيلية على لبنان تموز (يوليو) 2006 أن آلام هذه الحرب هي:" الولادة القاسية للشرق الأوسط الجديد"، لتعطي دلالة واضحة أن كل حرب يخوضها الجيش الإسرائيلي هو من أجل شرق أوسط جديد. ويعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق شمعون بيريز هو صاحب هذه النظرية، أصدرها من خلال كتاب أسماه الشرق الأوسط الجديد في العام 1996...

مرتكزات الشرق الأوسط الجديد

يقوم هذا المشروع على المرتكزات الآتية: الكيان الإسرائيلي هو الدولة المحور-المركز في المنطقة تدير الدول الأطراف: تدعم الولايات المتحدة فكرة الشرق الأوسط الجديد بقيادة ربيبتها إسرائيل عبر ترسيخ وجودها في المنطقة كدولة أصيلة وليست محتلّة لأرض فلسطين. ويصبح الكيان الإسرائيلي هو الدولة المركز في المنطقة بحيث تصبّ كل سياسات دول المنطقة في مصلحة هذا الكيان، وبما تتناسب مع سياساته. والاتفاقيات الاقتصادية ستكون لصالح هذا الكيان باعتباره واحة الديمقراطية ومركزاً لإنتاج التكنولوجيا المتطورة والذكاء الاصطناعي، وأقوى قوة عسكرية في المنطقة بترسانة عسكرية لا مثيل لها في جيوش دول المنطقة. وليس أدلّ من تصريح رونالد ريغان أثناء حملته الانتخابية عام 1980 عن ذلك عندما قال: "إن لإسرائيل أهمية استراتيجية كبيرة للولايات المتحدة الاميركية، وإن للقوات الإسرائيلية الممتازة دوراً رادعاً في الشرق الاوسط، وأهمية في توازن القوى بين الشرق والغرب، وسوف تسعى الإدارة الجمهورية إلى تأكيد الالتزام بسيادة وأمن إسرائيل، وهو أمر يخدم الاستراتيجية الاميركية"، وهذا دأب وسياسة كل الرؤساء الأميركيين على مرّ العقود.

اتّساع المجال الحيويّ- الجغرافيّ

عندما طرح شيمون بيريز مشروعه هذا قاربَه من وجهة النظر الاقتصادية، إذ دعا إلى قيام اتفاقيات وإنشاء تكتلات اقتصادية بين الكيان الإسرائيلي والدول العربية. بينما اختلفت المقاربة الحالية للمشروع حيث تقوم الحالية على الفكر الاستعماري والتوسّع الجغرافي لحدود الدولة الإسرائيلية، معتبرين أن الفرصة سانحة الآن لتحقيق أحلامهم وأطماعهم التوراتية. قبل عملية طوفان الأقصى بحوالي أسبوعين في 23 أيلول (سبتمبر) 2023 وخلال خطابه بالأمم المتحدة، أظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نواياه في السعي إلى تأسيس "شرق أوسط جديد" مستعرضاً خريطة تتضمن مناطق مكسية باللون الأخضر الداكن للدول التي تربطها اتفاقات سلام مع إسرائيل أو في طور إبرام الاتفاقيات، ولم تشمل الخريطة أي ذكر لوجود دولة فلسطين، وطغى اللون الأزرق، الذي يحمل كلمة "إسرائيل" على خريطة الضفة الغربية المحتلة كاملة وقطاع غزة. وجدّد هذا الخطاب بالأمم المتحدة في 22 أيلول (سبتمبر) 2024 حيث أمسك نتنياهو بخريطتين تقسمان الشرق الأوسط لقسمين، الأولى أطلق عليها اسم "خريطة النعمة" والثانية "خريطة اللعنة".

نزع السلاح المقاوم

إن الهدف الحقيقي للحرب المدمرة لغزة ولبنان هو نزع السلاح الموجّه لمحاربة الإسرائيليين بشقّيه السنّي (حماس) والشيعي (حزب الله)، وهذا ما يظهر من خلال تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، بل إن صحيفة "هآرتس" نشرت مقالة بتاريخ 30 أيلول (سبتمبر) 2024 تحت عنوان: "نزع سلاح حزب الله كاملاً"... وبذلك تضمن الدولة اليهودية الأمن المستدام لكيانها ونزع كل مسببات الخطر عليها في الوقت الحالي ومستقبلاً، وتثبّت أوتاد دولتها وحقها في فلسطين وتصفية القضية الفلسطينية.

إن فرص نجاح مشروع الشرق الأوسط الجديد بحسب رؤية القادة الإسرائيليين الحاليين تحدده نتائج الحرب على لبنان وغزة، فالميدان هو الذي يحدد المسار السياسي ومداه وفرص نجاحه.

اقرأ في النهار Premium