النهار

بيروت: علاقة حب من طرف واحد
أنتم أيضاً مخولون بأن تحلموا... (أ ف ب)
A+   A-

منال عبد الأحد

 

قد أكون ميّالة بطبعي إلى الحب من طرف واحد. ليس هذا موضوعنا الآن، إنما علي أن أعترف هنا لمزيد من الموضوعية، أنني أغرمت برجال لا يستحقون العناء، وهذا كثيراً ما حدث لي إلى درجة أن انتهيت وحيدة في العقد الرابع من عمري، وأخشى ما أخشاه صراحة أن تؤول قصتي مع بيروت إلى مصير مماثل...

لم تشعرني بيروت يوماً أنني مرحب بي، فقد نشأت في ضيعة منذ طفولتي، وتخرجت من جامعتها اللبنانية لأغادرها حالي حال كثيرين ممن لا يعرفون فلاناً أو علتاناً يمهد طريقهم. ومن يعرفني جيداً من زملاء الدراسة الإعلاميين يعرف أنه لم تنقصني الكفاءة ولا المثابرة كي أحصل على ما بخلت علي به بيروت...

المهم، غادرتها باكية للمرة الأولى إلى إحدى العواصم العربية، وشعرت بكثير من الحقد والغضب حيال بيروتي حتى ظننتني لن أعود إلى أحضانها مجدّداً، وكان ذلك في كانون الثاني ( يناير) 2006. في تموز (يوليو) من العام نفسه عانيت ما عانيته في بعدي عن بيروت الجريحة، وأنا لا أفهم هذا الحب من طرف واحد الذي يعصف بي. عجزت عن فهم نفسي إلا أنني مضيت غير آبهة في هذا العشق اللامبرر. مارست الصحافة عن بُعد ابتداءً من العام 2009 حتى أعوّض نقص الهواء البيروتي في رئتي. عدت أدراجي عام 2014 وتركتها مجدّداً بنقمة مضاعفة عام 2018 وظننت أن الحب من طرف واحد قد ووري في الثرى ههنا، ووجدت الظروف تقودني إليها مجدداً عام 2023 نهائياً. 

لن أنغمس في رومانسية بلهاء وسأقول على الملأ لعنت حظي مراراً وتكراراً، فتلك المدينة بنمط حياة ناسها لا تشبهني ولا تحاكي التمرد الذي نما في داخلي حيال صناع القرار فيها ساسة وإعلاميين ومن لفّ لفهم.

أخيراً كان علي أن أرحل، وبفرحة مصطنعة. زففت الخبر لصديقي في رغبة مني أن أنتقم من لامبالاته بي،  ولكن انتهى بي الأمر المعقد كثيراً بألا أغادر وأن أستقيل من عملي الذي عرض علي المغادرة أصلًا. رحل صديقي وبقيت هنا أسيرة هذا الحب من طرف واحد... شيء ما في هذا الدمار يدمرني من الداخل. شيء ما في بيروت الجريحة يمزقني، ثم إنني رغم خلافاتي مع أبي، أعجز عن تركه يشاهد كل هذا البؤس بمفرده. نعم أنا أخجل من دموعه وأعترف رغم مآخذي على أمي بأنني سأحن إلى خيط القصب في شالها.  لن أكون بخير إن تركتهما في هذا الظرف، لن أكون على ما يرام إن تركت بيروتي جريحة وتحوّلت في غيابي إلى مدينة محروقة. أعرف أن وجودي هذا لن يقدم ولن يؤخر إلا أنني أرفض أن أرحل وأمضي العقد الرابع من عمري خارجها، باحثة عن مستقبل ما أو ناشدة حاضراً ما.

ثم إن الأمر لم ينته هنا،  بالأمس رافقت أختي التي تكبرني بثلاث سنوات لتتسجل في الجامعة اليسوعية حيث ستكمل دراساتها العليا، بالأمس فقط مشيت بخوف وترقب في شوارعها إنما بمزيد من الإصرار.

لا، بالتأكيد الحكاية لم تنته ههنا. قد تكون حكاية بيروت التي قد لن تحبني يوماً من هنا بدأت. شيء ما في داخلي يؤكد لي أن وسط هذا الركام قد تبدأ الحكاية وألا خيار في وجه كل تلك الوحشية سوى الصمود...

تستحضرني هنا أغنية أهديتها لزملاء رفضوا المغادرة، كل لأسبابه، مذيلة بعبارة أنتم أيضاً مخولون بأن تحلموا، هي أغنية حلم لأمل مثلوثي التي تشي بالكثير من خبايا حكايتنا تلك.

اقرأ في النهار Premium