النهار

الردّ الإيرانيّ حتميّ لأنّه وجوديّ
المصدر: منبر
أمام سياسة "الخنق" التي يعتمدها نتانياهو على "حزب الله" لشلّ قدراته على المقاومة، تجد إيران نفسها بأنها لا تستطيع أن تقف متفرّجة، لما يمثله الحزب كركيزة أساسية في مشروعها التوسعي في المنطقة.
الردّ الإيرانيّ حتميّ لأنّه وجوديّ
تُظهر صورة الأقمار الصناعية المقدمة من Planet Labs PBC منشأة Parchin Motor Casting Facility في إيران (أ ف ب)
A+   A-

د. جيرار ديب

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام أعضاء الكنيست الإثنين 28 تشرين الأول (أكتوبر)، بأننا "أمام تحدّ مختلف يهددنا ويهدد الشرق الأوسط والعالم أجمع، وإذا سقطت إسرائيل، سقط العالم كله، ونحن لن نخسر وسننتصر للبشرية جمعاء".

رفع نتنياهو مستوى التحدّي، ليطرح معادلة هي أقرب إلى الحروب الدونكيشوتية، عندما ربط مصير دولته بمصير البشرية جمعاء. لكنّ ما نستطيع أن نبني عليه من كلمته هنا، هو الجزء المتعلق بإيران، التي اعتبرها بأنها "تسعى إلى تطوير قنابل نووية هدفها تدميرنا"، كما وإنها تمتلك صواريخ بعيدة المدى عابرة للقارات. هذا جوهر الصراع، وهذا ما يريده، وهو ليس بجديد، بل هذا ما طالب الإدارة الأميركية بتنفيذه مراراً، ليس في هذه المعركة، بل منذ إدارة باراك أوباما عام 2012، على اعتبار أنّه يجب ضرب مفاعيل إيران النووية وكان يواجه بالرفض.

هذا وكانت إسرائيل قد شنّت سلسلة من الغارات الجوية، صباح السبت 26 تشرين الأول (أكتوبر)، على مواقع مختلفة من الجمهورية الإسلامية في إيران تحديداً منطقتي كرج والعاصمة طهران. ورغم أن الحكومة الإسرائيلية صرّحت بأن الهجوم نجح في ضرب أهدافه، إلا أنّ البيانات الصادرة عن طهران أكدّت أن منظومات دفاعاتها ردّت العدوان وأفشلته. خرج النقاش عن مدى فعالية الضربة من عدمها، ليصبح في مكان آخر، يرتبط بمدى حماسة إيران على الردّ وتنفيذ "الوعد الصادق 3"، أو الإنصات جيداً إلى الدعوة الأميركية التي أتت على لسان رئيسها جو بادين، الذي دعا طرفي الصراع إلى التوقف عن عمليات الردّ والرد المقابل.

ما أن تجلت الصورة بعد عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حركة "حماس" في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023 على مستوطنات غلاف غزة، حتى ارتفعت التصريحات من جانبي الصراع على مفهوم واحد بأنها "حرب وجودية". نطق نتنياهو بهذه العبارة ولم يزل يرددها، بينما في المقلب الأخر، دخل "حزب الله" على الخط رافعاً شعار "المساندة" لحركة "حماس"، من خلال فتح جبهة المشاغلة من الحدود الجنوبية للبنان، في سبيل عدم السماح لإسرائيل بالانتصار، لأن هذا يعود إلى هزيمة المحور بأجمعه، فأطلق "وحدة الساحات".

عام وأكثر على الحرب التي يشنها نتنياهو على سبع جبهات، كما يزعم، متّكئاً على حضور عسكري أميركي لم تشهده المنطقة من قبل، ومتلحفاً بإصرار أميركي على الدفاع عن أمن إسرائيل مهما كلّف الأمر. قد يكون هناك تقاطع أميركي– إيراني على عدم الانزلاق، لكنّ هذا التقاطع كان فقط في الأشهر الأولى من الحرب، وسقط مع الإصرار الإسرائيلي على أن تطول أكثر من عام دون أن يكون لها أفق لوقفها، مع التعمد في إسقاط المبادرات كافة، الأمر الذي أثار الشكوك لدى القيادة الإيرانية حول مصير وكلائها في المنطقة. 

رفضت إسرائيل الحديث عن أي تسوية في الوقت الحالي، هذا ما تجلى عندما أضافت سراً بعض البنود على مقترحات بايدن التي وافقت عليها حركة "حماس" في 2 أيار (مايو) الماضي، في دلالة لعرقلة المساعي وزيادة تعقيداتها. أتّبعت إسرائيل ذات السيناريو بما خصّ لبنان، عندما أتى المبعوث الشخصي لإدارة بايدن الإثنين 21 تشرين الأول (أكتوبر)، حاملاً معه مقترحات إسرائيلية على القرار رقم 1701، بعدما وافق الحزب ممثلاً برئيس مجلس النواب نبيه بري، على فصل الجبهات وتطبيق القرار. لكنّ تلك المقترحات أعادت خلط الأوراق من جديد، وأبعدت حظوظ التوصل إلى تسويات.

لا يستطيع الإيراني إلّا الردّ على الهجوم الإسرائيلي الأخير، ليس من أجل حفظ ماء الوجه أمام محوره، وحلفائه من روسيا إلى الصين، رغم ما أعلنه بأن ردّه سيكون "ّذكياً" كما ذكر الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، إلّا أنّ الردّ حتمي لأنه وجودي. فوجود ما أسسته إيران على مدى 40 عاماً بات على المحك، ليس مع انهيار الجمهورية الإسلامية في إيران، لكنّ خوفها من أن تخسر من أذرعها في المنطقة مع إطالة أمد الحرب. 

لقد فرض نتنياهو وتيرة مختلفة للحرب مع "حزب الله"، تعتمد على تمكين حصار بري وجوي وبحري على لبنان بهدف قطع طرق الإمدادات للحزب، الأمر الذي يفرض عليه أن يقاتل بما لديه من إمكانيات عسكرية متاحة. فسياسة نتانياهو مع "حزب الله" في لبنان ترتكز على إطالة الوقت ضمن مسارين، الأول خلق فتنة واضحة في الداخل اللبناني، مستنداً على حركة النزوح وما قد تنجم عنها من صدامات بين الفئات اللبنانية. والمسار الثاني، يرتكز على حرب الاستنزاف مع "حزب الله"، لإنهاك قدراته العسكرية، وضرب تجهيزاته اللوجستية حيث أن التواجد في النفق يتطلق الكثير من الدعم المالي، لهذا قام بضرب مراكز القرض الحسن، وأيضاً قد يلجأ الإسرائيلي إلى وصول بواخر النفط إلى لبنان، بحجة أن الحزب يستخدمها لتشغيل آلياته وأنفاقه.

أمام سياسة "الخنق" التي يعتمدها نتانياهو على "حزب الله" لشلّ قدراته على المقاومة، تجد إيران نفسها بأنها لا تستطيع أن تقف متفرّجة، لما يمثله الحزب كركيزة أساسية في مشروعها التوسعي في المنطقة. لهذا يعتبر البعض بأنّ ردّها حتمي، وما توجيه ضربات التي نفذتها فصائل عراقية موالية لإيران الأحد 27 تشرين الأول (أكتوبر)، على التواجد الأميركي في قاعدة التنف في سوريا، إلّا رسالة إيرانية إلى أميركا بأنّ قواعدها ومصالحها على المحكّ في أيّ تدخّل لمساندة إيران في الردّ القادم.

اقرأ في النهار Premium