النهار

الحرب على لبنان تُفاقم العجز في المالية الإسرائيلية
ما يجعل الاقتصاد الإسرائيلي والمالية العامة صامدَين في وجه الانهيار التام هي المساعدات الأميركية التي تخطّت الـ22 مليار دولار منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر)، وإلا لكان العامل المالي من أهم أسباب عدم استمرار الحرب على لبنان وغزة.
الحرب على لبنان تُفاقم العجز في المالية الإسرائيلية
يعاينون مكان سقوط صاروخ أطلق من لبنان (أ ف ب)
A+   A-

د. أيمن عمر


مع تزايد رقعة العدوان الإسرائيلي لتشمل لبنان إلى جانب غزّة، تشتد الضغوط الاقتصادية والمالية على إسرائيل لتزيد من أزماتها واستنزاف مواردها وقدراتها المالية وتعطيل اقتصادها وانعكاس ذلك على مستوى الرفاهية لدى مواطنيها. وبشهادة واعتراف خبراء الاقتصاد الإسرائيليين، فإن البلاد قد تواجه انخفاضاً في الاستثمار وارتفاع الضرائب مع إرهاق الحرب ميزانيات الحكومة وإجبارها على اختيارات صعبة بين البرامج الاجتماعية والجيش.

العجز المالي قبل الحرب على لبنان

في عام 2024، خصصت الحكومة الإسرائيلية نحو 118 مليار شيكل (حوالي 31.21 مليار دولار أميركي) لميزانيتها العسكرية، ويمثل هذا زيادة حادة تزيد عن 87% مقارنة بالميزانية السابقة، فيما كان الإنفاق الدفاعي الفعلي للبلاد أعلى بنحو 32% من مخصصاتها السنوية المخطط لها عام 2023. وقد أظهرت أرقام وزارة المال الإسرائيلية في أيلول (سبتمبر) ارتفاع الإنفاق الحكومي إلى 51 مليار شيكل (13.5 مليار دولار)، ليبلغ الإنفاق منذ بداية العام نحو 450 مليار شيكل (119.05 مليار دولار) بزيادة تراكمية بلغت 31% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2023. 

وقفزت تكاليف الحرب منذ اندلاع القتال في تشرين الأول (أكتوبر)  من العام الماضي إلى 103.4 مليارات شيكل (27.35 مليار دولار)، ما ساهم في ارتفاع العجز في الموازنة العامة للدولة خلال الاثني عشر شهراً حتى آب (أغسطس) إلى 8.5% من الناتج المحلي الإجمالي، حيث بلغ 12.1 مليار شيكل (3.20 مليارات دولار) في آب (أغسطس) 2024، مشيرة إلى ارتفاع النفقات لتمويل الحرب. وهذا يمثل الشهر السادس الذي يتجاوز فيه العجز الهدف السنوي للحكومة البالغ 6.6% من الناتج المحلي الإجمالي المحدد لنهاية عام 2024. وكان العجز في الموازنة  قد بلغ نسبة 4.2% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023، وتخطط  السلطات المسؤولة لخفض العجز إلى 4% في عام 2025. وقد بلغ عجز الموازنة 84 مليار شيكل (22.22 مليار دولار) من كانون الثاني (يناير) إلى آب (أغسطس) 2024، مقابل فائض قدره 0.3 مليار شيكل (79.3 مليون دولار) في الفترة نفسها من العام الماضي.

وقد قدمت وزارة المالية الإسرائيلية برنامجاً يتضمن قائمة بتخفيضات الإنفاق وزيادات الضرائب الصعبة سياسياً، بما في ذلك تجميد بعض مزايا التقاعد وزيادة المساهمات في التأمين الوطني، لتمويل العجز في الموازنة العام المقبل الناجم عن ارتفاع تكاليف الحرب. ويهدف البرنامج، الذي سيرفع الضرائب على أصحاب أدنى شرائح الدخل في الكيان، ويرفع الرسوم على العاطلين من العمل وينهي إعفاءات ضريبة المبيعات للسياح الزائرين، إلى المساعدة في تضييق العجز المتضخم للدولة إلى 4% في عام 2025 من خلال إجراء تعديلات مالية تتراوح بين 30 مليار شيكل و40 مليار شيكل (8 مليارات دولار إلى 10.3 مليارات دولار).

العجز بعد الحرب على لبنان

في أيار (مايو) 2024، قدّر "بنك إسرائيل" أن التكاليف الناجمة عن الحرب سوف تبلغ 250 مليار شيكل (66 مليار دولار) حتى نهاية العام المقبل، بما في ذلك النفقات العسكرية والنفقات المدنية مثل الإسكان لآلاف الإسرائيليين الذين أُجبروا على الفرار من منازلهم في الشمال والجنوب، وهذا يعادل نحو 12% من الناتج المحلي الإجمالي للكيان. وإن كان من المبكر التقدير الحقيقي لتكاليف الحرب على لبنان، ولكن من المؤكد تزايد هذه التكاليف مع توسع الحرب والتوغل البري في جنوب لبنان مستهدفة "حزب الله" في 30 أيلول (سبتمبر)، ما سيزيد من الإنفاق العسكري واستنزاف أكثر لخزينة الدولة. 

ففي أواخر آب (أغسطس)، قبل شهر من تنفيذ العدوان على العاصمة اللبنانية والتوغل البري ضد "حزب الله" في جنوب البلاد، قدّر معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب أن شهراً واحداً فقط من "الحرب العالية الكثافة" في لبنان ضد الجماعة المسلحة، مع "هجمات مكثفة" في الاتجاه المعاكس تلحق الضرر بالبنية التحتية الإسرائيلية، يمكن أن يتسبّب في ارتفاع عجز الموازنة إلى 15% وانكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تصل إلى 10% هذا العام. وبحسب تقديرات المعهد دراسات الأمن القومي قد ينكمش الاقتصاد الإسرائيلي أكثر من 5%. وقد ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية أن كلفة توسيع الحرب على الساحة اللبنانية، إضافة إلى كلفة الحرب في ساحة غزة، ارتفعت في الأيام الـ50 الأخيرة بنحو 25 مليار شيكل (6.61 مليار دولار) إلى ما يوازي نصف مليار شيكل (132 مليون دولار) في اليوم الواحد، بسبب  الزيادة في استدعاء عشرات الآلاف من الجنود في قوات الاحتياط في الأسابيع الأخيرة وإدخالهم إلى لبنان، بالإضافة إلى التكاليف الهائلة لاستخدام كميات كبيرة من الذخيرة، والحاجة إلى إطلاق مئات الصواريخ الاعتراضية باهظة الثمن.

ما يجعل الاقتصاد الإسرائيلي والمالية العامة صامدَين في وجه الانهيار التام هي المساعدات الأميركية التي تخطّت الـ22 مليار دولار منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر)، وإلا لكان العامل المالي من أهم الأسباب لعدم قدرة استمرار الكيان الإسرائيلي في عدوانه على لبنان وغزة.

*أكاديمي وباحث اقتصادي

اقرأ في النهار Premium