مارون الياس مرهج
نحن أمّة واحدة من النهر الكبير الجنوبي حتى الناقورة، ومن شواطئ البحر الأبيض حتى قمم السلسلة الشرقية.
نجتمع في بيت واحد خلال النهار، وفي المساء يذهب كل واحد منّا إلى غرفة نومه لكي يستريح. وفي كل مرة كنّا نفتح فيها شبابيكنا في الليل المظلم، كانت تدخل خلسة إلى بعض غرفنا أيديولوجيات غريبة عنّا، فتستغلّ بعضاً من عواطفنا الحساسة، وهواجسنا من المستقبل، وتحاول أن تقنعنا بأنها خشبة خلاصنا، وأنها وحدها الأمة الحقيقية.
هويّات مستوردة من دون شرعية تستبيح بيتنا وتبعثره، وتُحوّل الوطن إلى ملعب، وبعض السياسيين إلى ألعوبة يتقاذفها اللاعبون الدوليون من كلّ صوب، من أجل تسجيل الأهداف، كلّ لصالحه.
ومَن يدري، فمن الممكن أن يأتي يوم يكون فيه انهيار هؤلاء السياسيين مدوياً أكثر بكثير من الانهيارات العسكرية والمخابراتية، ولكم كان أجدى وأنبل لهم وأرفع في عيون شعبنا لو أنهم اختاروا طريق الاستشهاد.
وعندما يمرّ الليل ويأتي صفاء الصباح إلى فكرنا، سوف نجتمع سويّاً في باحة بيتنا الكبير، ويلفّنا عطر الأرز بشوقه الحارّ وحنينه العميق.
كلّا وألف كلّا، يا أخي يا ابن أمّتي، لا يوجد حزب ولا منطقة في لبنان تستطيع أن تدّعي لنفسها بأنها هي أمّة.
ومن هدأة ليلي في غربتي، التي أسكنها غصباً عنّي، بسبب طمع الأمبراطوريات وحروب الأيديولوجيات الغريبة على أرضنا، أتذكّر دائماً، وأُذكّرك يا أخي، يا ابن أمّتي بما قاله مرة فيلسوف من بلادنا (جبران خليل جبران): "الويل لأمة مجزّئة ومقسّمة، وكلّ واحد منها ينادي: أنا أمّة، الويل الويل لها". فإلى متى تريدنا أنت أن نبقى نعيش في الويلات؟